عاش العالم دهراً يعتمد على أدوات محدّدة ومعروفة في حقل التعليم، فليس أكثر من كتاب وكراسة من الورق وقلم وسبورة، أدوات علّمت
أجيالاً على مدار قرون ربما، لكن ولأنّ لكل زمن ما يناسبه ومع تطوّر الزمن وتسارع وتيرة الاختراعات ومفرزات العولمة تغيّر واقع الحال، فحلّت بدائل أخرى مكان ما اعتيد عليه مثل جهاز الحاسوب الذي بدأ عهد النهضة التكنولوجية في كل العالم، لتتسارع بعدها خطوات الانفجار المعلوماتي، وتتغيّر صورة المشهد وتمتلئ المدارس بالأجهزة الحديثة وتغيب أخرى بعد أن تجاوزها الزمن.
وفيما تتفاوت نسبة نجاح دولة عن أخرى في التمكّن من قطع أشواط مقدّرة في عملية الإحلال والإبدال بما يواكب التطوّر ومقتضيات العصر، يثور جدل كبير حول جدوى هذه التقنية مقارنة بالأدوات القديمة، إذ يرى البعض أنّ الطلاب الذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر في معظم الأحيان من أجل أغراض دراسية يحصلون على النتائج الأسوأ في مُعظم مراحل العملية التعليمية، وتشير دراسة إلى أنّ الكمبيوتر يستخدم من قِبل قرابة 75 في المئة من التلاميذ في دول أجري فيها استطلاع، ولم تسَجل أي نتائج إيجابية تستحق الذكر، فيما يدافع آخرون عن التقنية الحديثة ويرون أنّها بوابة اللحاق بعصر الحداثة والتطوّر.
ولعل أبرز التجارب التي يضرب بها المثل في ترسيخ التجربة هي الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والمملكة العربية السعودية.
مشكلة
مصر.. التقنية متوفرة والمردود غائب
تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في التعليم المعاصر، وبات عديد من الجامعات المصرية يعنى بإنشاء أقسام خاصة بتكنولوجيا التعليم لتخريج أجيال من المعلمين والفنيين المؤهلين للتعامل مع تقنيات العصر.
وفي السياق ذاته، بادرت وزارة التعليم المصرية بافتتاح عديد من مراكز مصادر التعلم، فضلاً عن تدعيم المدارس بمعامل حاسب آلي، إلّا أنّ الاستفادة في كثير من المدارس غائبة لأسباب عدة، إما افتقاد المعلم الكفء، أو لجوء بعض القائمين على معامل الحاسب الآلي إلى تسجيل حضور وتدريب وهمي للطلاب خوفاً من تلف الأجهزة. وأكّدت وزارة التعليم المصرية بدورها أنّ «جميع مدارس التعليم الأساسي أصبحت مجهزة بمعامل كمبيوتر على أحدث مستوى»، مشدّدة على ضرورة التدريب الفعلي عليها.
وأوضحت الوزارة أنها «بدأت تدريب المعلمين على التقنيات الحديثة في التعليم للاستفادة من المزايا العديدة التي توفرها للعملية التعليمية، حيث تسعى الوزارة للاعتماد على التقنيات والوسائل التعليمية بشكل أكبر من سابقه»، معلنة أنّها ستبدأ في استبدال الأقراص المدمجة بالكتب المدرسية، وكلفت المديريات التعليمية على مستوى محافظات مصر بإجراء استطلاع رأي للطلاب وأولياء أمورهم والمعلمين حول هذا الأمر، لتكون العملية التعليمية أكثر مواكبة للعصر.
تفاعل ومعوقات
إلى ذلك، يوضح الخبير التربوي د.أحمد مختار الجندي، أنّ «الكمبيوتر أحد أهم الوسائل التي وفرتها الثورة التكنولوجية، والتي أثرت كثيراً في المنظومة التعليمية على اختلاف مستوياتها»، مشيراً إلى أنّ «دور المعلم لم يعد القيام بكل شيء يخص العملية التعليمية، إنما أصبح دوره أقرب إلى تسهيل العملية التعليمية، بعد أن وفرت الأساليب الحديثة الكثير للمتلقي والتلميذ المتعلم، كإمكانية تحديد الوقت الذي يلزمه في التعلم على حسب سرعته الخاصة في الفهم والدقة وتصحيح الخطأ، ووضع المتعلم في مكانة المتفاعل بدلاً من كونه مجرد متلق، وبات عليه أن يبحث عن المزيد من المعلومات حول الموضوع الذي يتعلمه».
ويضيف الجندي أنّ «هناك بعض المعوقات التي تواجه إدماج التكنولوجيا في التعليم في مصر، منها عدم وجود برمجيات تعليمية جيدة تعبِّر عن منظومة تعليمية متكاملة وشاملة بما تتضمنه من النصوص والأصوات والرسوم الثابتة والمتحركة والمؤثرات الصوتية والبصرية والفيديو، رغم أن البرمجيات التعليمية هي الأصل للمعلمين والمتعلمين على حد سواء نظراً لما تتمتع به من مزايا تتمثل في سهولة الحصول عليها واستخدامها وكذلك مستوى جودتها العالية».
خطوة للأمام
بدوره، يرى مؤسس جبهة تحرير المهن التعليمية أيمن البيلي، أن «إدخال وسائل التعلم العصرية من برمجيات صوتية وبصرية خطوة كبيرة للأمام، إلّا أنّ أزمة ذلك الدمج تكمن في العبء الاقتصادي على نسبة الإنفاق الضئيلة التي تخصصها الدولة المصرية للتعليم من الموازنة العامة، ويعد هذا هو التحدي الأكبر في وجه إدماج التكنولوجيا»، مضيفاً أنّ «هناك أيضًا تقصيراً في تأهيل المعلم المصري لقيادة التلاميذ للتعلم عبر الوسائط الإلكترونية بكفاءة، فالإدماج يجب أن يهتم بالمعلم كما بتوفير الأجهزة الإلكترونية». وتابع البيلي: «التأهيل له جانبان؛ الأول ضرورة إجادة المعلم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بكفاءة عالية، والثاني هو التمكن من الاعتماد عليها في تعليم مختلف الموضوعات والمجالات، ما يسهل على المعلم توظيف الوسيط التكنولوجي في العملية برمتها».
الأردن .. فرص مواتية للمواكبة وأحاديث عن مخاطر
لا بد وأن يحار المرء وهو يسمع من إحدى الدراسات الحديثة أن «الحاسوب المتاح في الفصول المدرسية غير مجد في التعليم»، بل الأدهى أنّ منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي أعلنت عن الدراسة قالت إن الحواسيب على العكس تؤدي في بعض الأحيان إلى إعاقة العملية التعليمية.
ما العمل إذاً ونحن نسمع أندريه تشليشير مدير التعليم في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يقول إن «الطلاب الذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر في معظم الأحيان من أجل أغراض دراسية يحصلون على النتائج الأسوأ في مُعظم مراحل العملية التعليمية حتى بعد أخذ خلفية الطالب الديموغرافية والاجتماعية بعين الاعتبار»، لذلك فهو لا يرى نتيجة إيجابية لاستخدام التكنولوجيا في الفصول. هذه النتائج تقلب الفكرة السائدة لدى النخب والعامة معاً أن طفل التكنولوجيا طفل يحصل على نتائج أكاديمية أفضل. ووفق الدراسة، فإن الكمبيوتر يستخدم من قِبل قرابة 75 في المئة من التلاميذ في الدول التي شملها الاستطلاع، ولم تسَجل أي نتائج إيجابية تستحق الذكر.
لغط
في الأردن هذه الفكرة لا تزال مطوية، فالبلد يحاول الدخول في عالم التكنولوجيا بسرعة، وأي فكرة حول عدم جدوى التكنولوجيا ستكون ليست محبطة فقط بل صادمة أيضا. ويعتبر الأردن من الدول التي لديها فرصة عالية لمواكبة التقنيات الحديثة في التعليم، لكن مع ذلك هناك لغط حيال ما يقوله خبراء الشأن التربوي من أن السياسة التعليمية في الأردن تعاني من مخاطر وتحديات.
ولعل الإحصائيات تؤكّد أنّ لدى الأردن ما يفخر به على صعيد التعليم المدرسي بل ومواكبته للتقنيات الحديثة، ففضلاً عن ارتفاع عدد المدارس في المملكة من 328 مدرسة وروضة أطفال في العام 1950 إلى ما يقارب الستة آلاف اليوم، أدخل راسمو السياسة التربوية في المملكة التقنيات التعليمية والتربوية الحديثة في المدارس سواء الحكومية أو الخاصة، وكان الحاسوب على رأس هذه المكونات، إضافة إلى ربط مدارس وزارة التربية والتعليم والخاصة بالإنترنت وشبكات الوزارة الداخلية الخاصة.
نموذج تربوي
هي سياسة تمكنت من تطبيع 1.598.211 طالبا وطالبة هم عدد الطلاب على مقاعد الدراسة مع التنقيات التربوية الحديثة أو على الأقل الحد الأدنى منها. وكان ذلك بالتوازي مع انخفضت نسبة الأمية إلى 8.3 في المئة اليوم، وهي إلى انخفاض بعد أن كانت 88 في المئة عام 1952. وكانت الوزارة رفدت المدارس بأكثر من 120 ألف جهاز حاسوب، فيما بلغ عدد المختبرات الحاسوبية في المدارس الحكومية أكثر من ثلاثة آلاف مختبر، فيما ربطت آلاف المدارس مع منظومة التعلم الإلكتروني، وحزمة الألياف الضوئية العريضة.
ووفق أرقام وزارة التربية والتعليم فقد نجحت في النهوض تعليمياً عبر بناء أنموذج تربوي حي مبني على اقتصاد المعرفة، الذي يعنى بإعداد الطلبة للتعايش الفاعل في مجتمع الاقتصاد المعرفي. كما ركزت على الجهود الرامية إلى تنمية الموارد البشرية وإحداث التنمية المستدامة، ليغدو الأردن مركزاً لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة وأنموذجاً في التطوير والتحديث.
تحدّيات ماثلة
ويشعر الأردنيون بالفخر أن بلادهم استطاعت مواكبة التطورات التقنية والتعليمية التي من شأنها النهوض بالمخرجات وتحقيق نتائج أفضل فيها، إلّا أنّ وليد شنيكات وهو خبير تربوي سبق والتقته «البيان» يرى أن «هناك العديد من التحديات التي من شأنها أن تحد من تحقيق الأهداف المراد الوصول إليها من السياسة التعليمية». وعلى رأس هذه السياسة تعزيز دور المعلم في العملية التربوية ورفض ان يكون الحلقة الأضعف فيها، سواء ماليا او من حيث القيمة. ويتساءل وليد شنيكات: «كيف يمكن ان نراهن على سياسة تعليمية ناجعة إذا كان منظومة التعليم بأسرها بحاجة الى إعادة بناء وعلى رأسها المعلم غير راض عن مكانته المالية والاجتماعية». في أية حال يدرك شنيكات وغيره من الخبراء أنّ «العملية التربوية منظومة شاملة لا يمكن أن ينهض فيها جانب دون الآخر».
رؤية
البحرين تدشّن مشروع التمكين الرقمي
كشف وزير التربية والتعليم البحريني د.ماجد علي النعيمي، أنّ «الوزارة مقبلة على تطبيق مشروع التمكين الرقمي في المدارس الحكومية»، مؤكّداً أنّه «وتنفيذاً لتوجيهات الملك حمد بن عيسى آل خليفة، تم البدء بتنفيذ مشروع التمكين الرقمي في المدارس الحكومية خلال هذا العام الدراسي، استكمالاً لحلقات تطوير التعليم الالكتروني التي دشنها عاهل البلاد في العام 2005».
ولفت النعيمي إلى أنّ «هذا المشروع يسهم بشكل مباشر في إنتاج المعرفة، ما يعزّز المشاركة الفاعلة في إنتاج المحتوى الرقمي العربي والاقتصاد القائم على المعرفة وتعزيز التعليم الالكتروني في مدارس الوزارة، وإعداد الطلبة والمعلمين والعاملين في القطاعات ذات العلاقة من أجل إكسابهم القدرة على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم، من أجل بناء الكفاءات الوطنية القادرة على إنتاج المحتوى التعليمي الرقمي، وتخريج أجيال قادرة على الإبداع والابتكار والريادة في هذا المجال».
مجتمع معرفة
وأشار وزير التربية والتعليم البحريني في تصريحات لـ «البيان»، إلى أن أهمية هذا المشروع تنطلق من كونه أحد متطلبات تحقيق مجتمع المعرفة ودوره في سد الفجوة الرقمية بين مختلف أفراد المجتمع، لمواكبة تطورات العصر ومواجهة تحديات المستقبل وتحقيق متطلبات التنمية الشاملة المستدامة، مضيفاً: «في هذا الصدد تم الاطلاع على التجارب العربية والعالمية في مجال التمكين الرقمي في التعليم، مثل تجربة الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والمملكة العربية السعودية ومصر، والاستفادة من نتائجها التي انعكست إيجاباً على ارتفاع التحصيل العلمي للطلاب والطالبات واكتسابهم المهارات التكنولوجية وتعزيز التعاون بين المدرسة والمجتمع».
5 مدارس
وأوضح النعيمي أنّ «الوزارة بدأت وبشكل تدريجي تنفيذ هذا المشروع خلال العام الدراسي الحالي، وذلك في خمس مدارس إعدادية هي: مدرسة زنوبيا الإعدادية للبنات، ومدرسة أم سلمة الإعدادية للبنات، ومدرسة الحد الإعدادية للبنات، ومدرسة عالي الإعدادية للبنين، ومدرسة الرفاع الإعدادية للبنين، من خلال توفير التنمية المهنية وتعزيز البنية التحتية وشبكة الإنترنت، وتحديد سيناريو التطبيق بتوفير المحتوى الإلكتروني والبيئة الآمنة لاستخدام التكنولوجيا».
حصاد تجربة
وأضاف الوزير النعيمي أن «من أبرز النتائج المتوقعة حال استكمال تنفيذ المشروع هي، التواصل مع كل معلم وطالب من خلال تمكين الوصول إلى البوابة التعليمية، والتي تتيح التواصل والتعاون بين الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، واستبدال الحقائب المدرسية الثقيلة للطلبة بالكتب الرقمية التفاعلية المتاحة على الأجهزة، وتمكين المعلمين من معايير تقنية المعلومات، وإعداد الدروس الإلكترونية والمساهمة في تطوير المناهج الدراسية».
وأبان أنّ هذا المشروع سيوفّر كذلك المصادر الإلكترونية سهلة الوصول للطالب والمعلم وولي الأمر في أي مكان وزمان، ويثري عملية التعليم والتعلم بالدروس والمواد التعليمية المميزة، فضلاً عن زيادة نسبة المشاركة بالمعرفة الموجودة في البوابة التعليمية، وزيادة آليات تبادل الممارسات المعرفية بين المعلمين والطلبة، وزيادة بناء المحتوى التعليمي وتحديثه باستمرار، وزيادة عدد المصادر التربوية المفتوحة، إضافة إلى تعزيز الشراكة مع الجهات الحكومية والخاصة ومنها، وزارة المواصلات والاتصالات والحكومة الإلكترونية وشركات الاتصالات والجهاز المركزي للمعلومات.