يعدّ ضريح الرومية غربي الجزائر شاهداً على معلم أثري نفيس تقاطعت فيه الحضارتان الرومانية والفرعونية على أرض مغاربية، ولا يزال شهوداً على أسطورة حب خالدة بين الحاكم الروماني «يوبا الثاني» وزوجته «سيلينا» ابنة كليوباترا ملكة مصر.
يروي ضريح الرومية التابع لمدينة تيبازة الساحلية روعة مسار الإنسان الإفريقي في القرن الأول الميلادي، وعبر الآثار المحيطة تنهمر الحكايات المثيرة للحضارة الرومانية القديمة راسمة صورا طبيعية تختزن الكثير عما انتاب ضفة البحر المتوسط ذات الهواء المنعش. ويعود أقدم نص تناول هذه التحفة إلى العام 40 بعد الميلاد حين أفرده المؤرخ الروماني الشهير ميلا بومبونيوس بكتاب أكد فيه أنّ المبنى الكبير عبارة عن مقبرة للعائلة الملكية في عهد ملك البربر «يوبا الثاني» الذي حكم لمدة 48 عاما بين عامي 25 قبل الميلاد و23 بعد الميلاد.
وأكّد علماء الآثار في تصريحات لـ «البيان»، أنّ «ضريح الرومية لا صلة له بالمسيحية، ويخيّل لمن يشاهد القبر من بعيد أنه خلية نحل عظيمة أو كومة تبن ضخمة، ومن يدنو منه يشعر بعظمة هيكله»، لافتين إلى أنّ «من ميزات هذا المعلم الهندسي الجميل أنّ لونه يتغير بحسب الفصول وبحسب ساعات النهار، فهو تارة يميل إلى الاصفرار، وتارة يأخذ لونا رماديا، أو تعلوه زرقة عندما يحيط به الضباب».
بهو الأسود
وعند اجتياز باب الضريح ينفذ الزائر إلى رواق يضطر من يمشي فيه إلى الانحناء، وفي حائطه الأيمن يتسنى مشاهدة نقوش تمثل صورة أسد ولبؤة، ونُسب الرواق إلى النقوش فسُمي «بهو الأسود».
ولدى تجاوز الرواق يجد الزائر نفسه في رواق ثان طوله 141 متراً وارتفاعه 2.40 متران شكله ملتوٍ ويقود مباشرة إلى قلب المبنى الذي تبلغ مساحته 80 متراً مربعاً. وخلافاً لما تردّد في الماضي فإنّ الباحثين لم يعثروا على أثر لأي كنز فيه.
ووفق ما ورد في كتابات صدرت في القرن قبل الماضي، فإنّ مكتشف مدخل الضريح هو عالم الحفريات والآثار الفرنسي أدريان بيربروجر تنفيذا لطلب نابليون الثالث في عام 1865م.
طيف يوبا
وتشير العديد من المصادر التاريخية إلى أنّ سيليني كيلوباترا زوجة الملك البربري يوبا الثاني وابنة كيلوباترا حاكمة مصر هي من ترقد في هذا المكان، وكان يوبا الثاني ملكا قويا وقائد كبيرا فضلا عن كونه من أعلام عصره، وكانت عاصمته أيول واسمها الحالي شرشال أجمل مدن تلك الفترة وكان بها مصانع لمواد البناء ومجالات واسعة لتجفيف السمك وورش لصناعة السلاح وغيرها.
وكانت مملكته تمتد من المحيط الأطلسي حتى مشارف الحدود التونسية الجزائرية حاليا، وتوّج قربه من قدامى الفراعنة بالزواج من سيليني كليوباترا تكريسا للوفاء والتحالف.
وبحسب الروايات التاريخية أيضا فإنّ يوبا كان يعشق زوجته التي توفيت قبله وتأثّر كثيراً بفقدانها وقرّر أن يهب كل شيء لها وهي في ضريحها، وتشير نصوص أخرى تناولت هذه التحفة إلى العام 40م حين أفرده المؤرخ الروماني الشهير ميلا بومبونيوس بكتاب أكّد فيه أنّ المبنى الكبير عبارة عن ضريح واسع للعائلة الملكية في عهد يوبا الثاني.
درعا الفقيد
ويقف المعلم الجنائزي الشامخ وسط مربع مجاور لمنطقة آهلة بالسكان، وجرى بناؤه بحجارة مصفوفة فوق بعضها البعض ومدعومة بأوردة ربط من رصاص، ويحمل المعلم الذي تتميز قاعدته بشكلها المكعب على مستوى جدران الطابق الثاني درعين في إشارة إلى مكانة الفقيد.
وتتشكل أجزاء الطابقين من أعمدة وأبواب وهمية تمت فهرستها بهدف إعادة تشكيلها مستقبلاً. ويثير هذا المعلم الفضول من الناحية المعمارية لخصوصياته مقارنة مع باقي المعالم الجنائزية الملكية البربرية مثل ضريح إمدغاسن، والضريح التذكاري للملك سيفاكس الذي لا يوجد به جثمان الملك، حيث يتميز ضريح الرومية بشكل دائري مع سقف مخروطي بُني بأعمدة التزيين.
وبما أنّ الضريح كان مقفولاً وليس له مدخل، قام علماء الآثار الفرنسيون بفك البناية للتمكّن من الدخول إلى الغرفة الجنائزية ثم أعادوا تشكيله دون المستوين العلويين اللذين دُمّرا إثر زلزال لم يحدد تاريخ وقوعه.