لم يكن أحد يظن أن ذلك الطفل، الذي يعبر طرقات قرية إنكاندلا بإقليم ناتال في جنوب إفريقيا المتربة باحثاً عن عمل يسد به جوع بطنه، سيكون يوماً رئيسا لهذه البلاد التي كان يمزقها حكم الأقلية البيضاء، ورغم أن جاكوب جيديلييليكزا زوما أبدى شخصية قوية وبها بعض من الصرامة في اتخاذ المواقف حيال أقرانه، إلا أن كثيراً من أهل قريته يظنون أن به بعض الغباء، إذ إنه لا يجيد غير الأعمال الــــشاقة التي ينفر منها أقرانه المترفون.

ذاع صيت زوما، الذي توفي عنه والده وهو في الثالثة من العمر، في قريته بعد أن بات يبدى بعض الآراء السياسية ويطالب أهله بعدم الخنوع للبيض، غير أن أهل إنكاندلا لم يأخذوا حديثه مأخذ جد، ما دفعه للانخراط مبكراً صفوف المؤتمر الوطني الإفريقي الذي انضم إليه سنة 1959 والتحق بجناحه المسلح المناهض للنظام العنصري، وسجن عام 1963 وبقي سجيناً 10 سنوات، ومنذ سجنه أصبح ذا شعبية واسعة داخل حزب المؤتمر.

منفى

غادر جنوب إفريقيا إلى المنفى سنة 1975، وأمضى 12 سنة متنقلاً بين بعض البلدان الإفريقية، ناشطاً في حزب المؤتمر الوطني، فأقام في سوازيلاند، ومنها انتقل إلى موزمبيق 1977.

لكنه اضطر إلى ترك موزمبيق 1987 بموجب اتفاق بينها وبين حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فانتقل إلى زامبيا ليلتحق بمكتب رئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في لوساكا، وبقي بها حتى عاد إلى بلاده سنة 1990 بعد الاعتراف بحزب المؤتمر الوطني.

وعبر مساره السياسي في المؤتمر الوطني الإفريقي، تقلد العديد من المسؤوليات، فقد انتخب نائب رئيس ممثلية الحزب في موزمبيق سنة 1984، وعضواً للجنته التنفيذية سنة 1977، ثم عضواً بالمجلس السياسي والاستخباراتي للحزب.

وفي سنة 1991 انتخب نائباً للأمين العام للحزب بتزكية من مانديلا، وخاض انتخابات اختيار رئيس وزراء إقليم كوازولو ناتال سنة 1993 وعُيّن عضواً في اللجنة التنفيذية للشؤون الاقتصادية والسياحة في حكومة الإقليم.

وأصبح ثالث شخصية في الحزب بعد مانديلا ومبيكي، وعين في ديسمبر 1997 نائباً لرئيس الحزب، ثم نائباً لرئيس البلاد ثابو مبيكي من سنة 1999 إلى سنة 2005. وانتخب رئيساً للحزب خلال مؤتمره القومي، الذي انعقد في ديسمبر 2007، ثم انتخب رئيساً لجمهورية جنوب إفريقيا في 6 مايو 2009.

فساد

أقاله الرئيس ثابو مبيكي من منصب نائب رئيس الجمهورية بتهمة تتعلق بالفساد سنة 2005، لكنه بقي نائباً لرئيس حزب المؤتمر، وفي سنة 2007 وجه له الادعاء الوطني في جنوب إفريقيا تهمة الفساد على خلفية صفقة أسلحة لصالح الدولة.

غير أن طفولة الرجل البائسة ظلت تطارده حتى بعد أن أصبح رئيساً، إذ اشتهر بحبه للنساء وإقامة الحفلات الباذخة، وقاده ذلك ليواجه دعوات متزايدة من أجل الاستقالة، في أعقاب سلسلة الفضائح التي أحاطت به، سواء فضائح نسائية أو فضيحة استخدامه لأموال دافعي الضرائب، التي عدها الكثيرون بمثابة المسمار الأخير في نعش رئاسة جنوب إفريقيا.

ويقول المحلل الاقتصادي ديفيد رودت إنه يشك في قدرة زوما على البقاء في السلطة بعد الفضيحة الأخيرة التي شملت إقالة وزير المالية الأسبق نهالاهلا نيني. وقال: «لا أرى على الأرض كيف يمكن أن يبقى زوما رئيساً لجنوب إفريقيا».

وكان نيني قد دخل في مواجهة مع الرئيس زوما حول أولويات الإنفاق العام في الوقت الذي تعاني فيه جنوب إفريقيا من تراجع أسعار المعادن وارتفاع معدل التضـــــخم وتدهور البـــنية التحتية لقطاع الطاقة وارتفاع مــعدل البطالة بعد موجة الجفاف الأشد منذ عقود، ويقول الصحافي الجنوب إفريقي اتيكا نوكلاي إن زوما رجل مسجون في طفولته البائسة، لا يرغب في مـــغادرة هذه المحطة رغم ثــــرائه الفاحش، ومنها سيكون مقتله.