طالب بمنح روسيا ضمانات المشاركة في عملية الانتقال السياسي

غول يرفض التدخل الأجنبي الصريح في سوريا مثل ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد الرئيس التركي عبدالله غول أن تركيا ترفض أي تدخل أجنبي صريح في سوريا، على غرار ما حصل في ليبيا. ودعا في مقابلة أجرتها معه مجلة "فورين أفيرز" في أنقرة، إلى موقف دولي تجاه سوريا يتجاوز إلقاء الخطابات، مطالباً بإشراك روسيا ومنحها ضمانات بشأن أية عملية انتقالية تتم هناك.

وفي إطار توضيح سياسة تركيا الخارجية، التي أشار إلى أنها لن تكون طموحة ولا توسعية، رفض غول أي دور لتركيا في العالم العربي، وأشار إلى أنها تقف موقفا تضامنيا مع البلدان العربية، ولا نية لديها للتصرف كأخ أكبر لأي كان.

ودعا غول إلى وجوب رفع الحصار عن غزة، وإلى شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، في إطار مبادرة السلام العربية.

 

وفي ما يلي نص الحوار:

كيف يساء فهم تركيا من قبل أميركا والغرب برأيك؟

تركيا جسر بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط والقوقاز. وتوجد لكل دولة من الدول المجاورة لتركيا حكومة وإدارة للحكم مختلفان. وفي تركيا، فإن الأغلبية الساحقة من سكانها مسلمون، وفي البلاد حكم ديمقراطي ومبادئ حقوق إنسان واقتصاد سوق حرة، وهذا الوضع يجعل تركيا حالة فريدة في المنطقة. ومن وجهة نظر جغرافية وجيوسياسية، تنتمي تركيا إلى هذه المنطقة من العالم، ولديها علاقات تاريخية مع كل جيرانها. لكن في ما يتعلق بالقيم، فإننا نقف إلى جانب الغرب.

وإذا نظرنا إلى المستقبل، فإن ميل التوازن الاقتصادي وميزان القوى العالمي وانتقاله إلى آسيا قد أصبح أشبه بحقيقة مؤكدة. بالتالي لا بد من أن ترجح السياسة بذلك الاتجاه أيضا. ويتعين على أميركا وأوروبا البدء بالاعتراف بتركيا، ويجب أن تصبح أكثر أهمية بالنسبة إليهم.

يخشى كثيرون في الخارج من أن تكون إعادة توجه تركيا نحو منطقتها، تعني أنها تنأى بنفسها عن الغرب. هل لا زلت ترى مستقبل تركيا في أوروبا؟

هذا تحليل يفتقر إلى النزاهة. فمن جهة، لدينا عملية تفاوض جارية للانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي. ونحن نضغط بقوة ونطرق كل الأبواب في الطريق إلى العضوية الكاملة. ومن جهة أخرى، فإن لتركيا دوراً ومكانة في كل المؤسسات والهيئات الأوروبية. بالتالي، أصبحنا في الواقع أكثر نشاطاً في منطقتنا، ونتعامل مع القضايا الإقليمية، لا ينبغي أن يفسر ذلك على أنه إعادة توجيه لتركيا أو أنها تنأى بنفسها عن أوروبا. فنحن نعمل باستمرار على تبني المعايير الأوروبية.

الوضع السوري

هل يمثل إجبار تركيا لطائرة مشتبه بأنها تحمل أسلحة من روسيا إلى سوريا على الهبوط في منتصف أكتوبر الماضي تصعيدا في التوتر؟

المشكلة في سوريا ليست مشكلة ثنائية بين تركيا وسوريا. ليس هناك تضارب في المصالح أو تصفية حسابات بين تركيا وسوريا، المشكلة في سوريا تتعلق بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل النظام ضد شعبه الذي لديه مطالب مشروعة. وهذا يجعل القضية شيئا يتعلق بالمجتمع الدولي بأسره.

وطبعا، بما أن تركيا بلد مجاور لسوريا ويتشارك معها بحدود برية على طول 900 كم، فإن التداعيات بالنسبة لتركيا مختلفة. على سبيل المثال، لدى تركيا 150 ألف سوري أتوا إليها نتيجة للمشكلات في سوريا. وهذا أدى إلى نشوء بعض القضايا الأمنية، والاشتباكات الحدودية، أو إلى اشتباكات على الحدود بين قوات النظام السوري والمعارضة تؤثر فينا أيضا.

منذ البدايات الأولى للأزمة، اخترنا على الدوام تغييراً منظما وبشكل منضبط في سوريا. ونتيجة لتفاقم الأحداث، أوضحنا للجميع أن تركيا متوحدة مع العالم الحر، وستدعم مطالب الشعب السوري. لكن من البداية، طالبت أنا شخصيا بضرورة دعوة كل من روسيا وإيران إلى المشاركة في عملية الانتقال في سوريا لتفادي سفك الدماء. واعتقد أن روسيا تحديدا يجب أن تعامل بشكل ملائم.

كيف يمكن إشراك الروس فيما هم يبذلون كل ما في وسعهم لإبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة؟

دعمت روسيا الغرب في ليبيا، لكن الروس جرى استبعادهم بعد ذلك من العملية الانتقالية. بالتالي، في سوريا، يجب إشراك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإعطاؤه ضمانات بأن بلاده ستكون جزءا من العملية الانتقالية، وبأن مخاوفها سوف تؤخذ بعين الاعتبار.

هل يمكن حث روسيا على التعاون في بناء سوريا حرة وديمقراطية؟

أعتقد أن الأمر يستحق المحاولة، لأن ما نهدف إليه في نهاية المطاف هو إيجاد إدارة حكم جديدة في سوريا ممثلة لفئات الشعب السوري ككل.

سبق أن أكدت أنه سيتعين على الحكومة السورية الجديدة اتخاذ موقف قوي تجاه الفلسطينيين، لماذا؟

كانت القضية الفلسطينية لفترة طويلة أهم ركيزة استخدمها النظام السوري لإضفاء الشرعية على وجوده مع شعبه. بالتالي سيتعين على النظام الجديد في سوريا أن يظهر وجود روابط قوية مع فلسطين ليبرهن على أن الدولة مستقلة تملك سيادة وتعمل وفق مطالب شعبها. وهذا سوف يبعث برسالة إلى بعض الدول مثل روسيا وإيران والصين مفادها أن النظام الجديد في سوريا لا يجري توجيهه عن بعد.

هل تشعر بالإحباط لأن أميركا وحلف شمالي الأطلسي "ناتو"، لا يبذلان المزيد من الجهود للمساعدة حول سوريا، لاسيما على الصعيد العسكري؟

ما يدعو إلى الأسف هو أن يقتل مواطنون أتراك نتيجة لقصف مدفعي من سوريا. لكن بعد هذه الحادثة التي وقعت في 3 أكتوبر الماضي، تعتقد تركيا أن ما أظهرته كل من أميركا و"ناتو" من تضامن كان صادقا. وفي إطار البنى الداخلية لـ "ناتو"، فقد تم بذل الجهود الضرورية على المستوى التقني في ما يخص الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيماوية والبالستية. لكننا لسنا في حرب مع سوريا، لذا لا نتوقع أكثر من ذلك من الغرب.

ومن جهة أخرى، إذا جرت مقارنة القوة العسكرية لكل من تركيا وسوريا، فإن النتيجة تتحدث عن نفسها.

التدخل الأجنبي

لكن هل ترغب تركيا بعملية متعددة الأطراف لإنهاء القتال على الطريقة الليبية، أم إجراءات محدودة بصورة أكبر، مثل منطقة حظر طيران أو ممرات إنسانية أو منطقة عازلة؟

لا نعتبر من الصواب أن يكون هناك تدخل أجنبي صريح كما حصل في ليبيا.

لا!

لا، لكن دعني أشدد مرة أخرى على أن موقف المجتمع الدولي تجاه سوريا يجب أن يتجاوز مجرد إلقاء الخطابات. فعلى مدى سنة ونصف السنة منذ اندلاع الأزمة، عملنا جاهدين من اجل إجراء تغيير منظم وأقمنا اتصالات وحافظنا على علاقاتنا مع النظام لحثه على التغيير. وأذكر جيدا أن أصدقاء معينين في الغرب لم يكونوا مستعدين لمنحنا وقتا على الإطلاق. لذا فإني أحثهم على العمل بطريقة أكثر جدية ووضوحا الآن.

هل تساعد تركيا في تسليح الثوار السوريين؟

لا. لكن بما أننا دولة مجاورة، فإن أبوابنا مشرعة للشعب السوري. ونحن نرحب بهم، ونؤمن لهم كل احتياجاتهم الإنسانية الضرورية.

دعوت إلى نزع السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط..

لا تريد تركيا رؤية أي دولة مجاورة تملك سلاحا نوويا. ولن تقبل بوجود دولة مجاورة تمتلك أسلحة لا تملكها دولتنا. ونحن لا نقلل من شأن هذه القضية بأي حال من الأحوال. لكننا أكثر واقعية، وما نحتاجه هو حل ونهج أكثر شمولا لهذه المشكلة. وما يهم هنا هو ضمان أمن إسرائيل في المنطقة، وما أن يجري ضمان هذا الأمن، فإن الخطوة التالية يجب أن تكون إزالة كل تلك الأسلحة من المنطقة، وهذا يمكن القيام به فقط من خلال السلام.

هل تحل هنا مبادرة السلام العربية؟

طبعا، لأنه لا يوجد الآن أي جهد على الإطلاق يبذل من أجل السلام.

عبر بعض المراقبين الأجانب والأتراك عن قلقهم حيال تخلي الحكومة التركية عن الديمقراطية. هل انتقادك الأخير الخاص بشأن احتجاز الصحافيين ومنع البرلمانيين الأكراد يفيد بأنك تشارك هؤلاء المراقبين هذا القلق؟

ليس صحيحا على الإطلاق أن الديمقراطية في تركيا في تراجع. وعلى النقيض من ذلك، نحن نمضي قدما إلى الأمام، ولدينا إصلاحات كثيرة عميقة الجذور موضوعة في هذا المجال كل يوم. بالطبع، هناك بعض الممارسات الخاطئة، ولهذا السبب قمت بلفت الانتباه إليها. ولقد تحدثت عن تلك الممارسات الخاطئة للتأكد من أنها لن تلقي بظلالها على مجمل عملية الإصلاح والديمقراطية. ويحزنني بعمق هذا الأمر، ولهذا السبب، أطلق تحذيرا على الفور، كلما أرى مثل هذه الممارسات الخاطئة.

دور عالمي

اقتصاد تركيا آخذ بالنمو ويزداد عدد سكانها، فيما تضعف قوى دولية كثيرة باضطراد بسبب الأزمات الاقتصادية والجمود السياسي. ما نوع الدور العالمي المتزايد الذي ستلعبه تركيا فيما هي ماضية في صعودها؟

المهم ليس تحول تركيا إلى قوة عالمية، بل أن تكون هناك معايير عالية إلى أقصى حد ممكن، مما يمكن الدولة من توفير الازدهار والسعادة لمواطنيها. وعندما أتحدث عن المعايير، فإنني أعني معايير مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا هو الهدف النهائي الأقصى لتركيا. وعندما يجري رفع المعايير، يصبح الاقتصاد أقوى ونتحول إلى قوة ناعمة حقيقية.

وبمجرد أن تراكم كل تلك المعارف وتنجح في رفع هذه المعايير وتحقيقها، تبدأ دول أخرى بعد ذلك في الحذو حذونا بعناية كبيرة، ونصبح إلهاما لها. وما أن يحدث ذلك، فإن ما يهم عندئذ هو جمع القوة الصارمة والناعمة وترجمتها إلى قوة فاضلة، من أجل البيئة الخاصة بك وبمنطقتك والعالم بأسره.

لكن أليست تركيا مثالا جيدا لبلدان مثل مصر وتونس وليبيا؟

بالطبع نحن سعداء بحقيقة انهم يعتبرونا مثالا يحتذى به بالنسبة إليهم، لأننا بلد مسلم وديمقراطي وقصة نجاح اقتصادي. ويعتقدون أن بإمكانهم تحقيق الأمور نفسها. وكموقف تضامني، نساعدهم ونشاركهم الأسباب الكامنة وراء نجاحنا. لكن لا نية لدينا للتصرف كالأخ الأكبر على أي كان.

 

Email