عدالة مجتمعية تستند إلى العفو لتضميد جراح الإبادة الجماعية

دروس مصالحة رواندا قابلة للتعميم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الذكرى العشرين للإبادة الجماعية في رواندا، ينبغي التركيز على كيفية سير هذه الدولة الإفريقية نحو المصالحة من خلال الصفح والمغفرة، بقدر ما يجب التركيز على المذابح الجماعية ذاتها.

وفي هذا الشهر، تصادف الذكرى العشرين للحدث الذي يرتبط اسمه ارتباطا بالمذبحة الجماعية عام 1994 بحق الأقلية من التوتسي، وبحق عدد كبير من الأغلبية من الهوتو في رواندا، والتي أسفرت عن تشريد مئات الآلاف من السكان.

 وبدءا من 7 أبريل من تلك السنة، وعلى امتداد أكثر من 100 يوم، قتل أكثر من 800 ألف شخص في تلك البلاد، وعدد كبير منهم قتل على يد جيرانه نتيجة للتحريض على الكراهية العرقية من جانب النخبة السياسية. وكثيرا ما يستشهد بهذه الإبادة الجماعية منذ ذلك الحين من أجل تبرير التدخل العسكري في فظائع مماثلة تجري في العالم.

لكن درسا مفيدا آخر يستحق أن يذكر من تجربة رواندا، يتمثل في المصالحة المذهلة التي جرت بين القتلة والناجين من خلال الاعترافات الفردية والمغفرة والصفح في إطار محاكم خارج القضاء في القرى.

وهذا النوع من العدالة التعويضية في أجواء حميمة يمكن أن يبرهن عن فائدته في البلدان التي ستحتاج إلى تضميد جراحها في مرحلة ما بعد النزاع، مثل سوريا وكولومبيا وميانمار (بورما). ويمكن أن يساعد أيضا في منع حلقة من الانتقام والثأر في تلك البلدان، كما حصل في رواندا.

محاكم متنوعة

وقد حوكم معظم الجناة الرئيسيين للإبادة الجماعية في محاكم عادية، سواء في رواندا نفسها، أو أوروبا، أو المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، التي شكلتها الأمم المتحدة. لكن بالنسبة إلى مئات الألوف الآخرين المتهمين بالقتل، فإن نظام العدالة الجنائية في رواندا ضعيف جدا، وسجون البلاد ممتلئة بالسجناء بالكامل. وهذه المحاكمات كان يمكن أن تستغرق عقودا من الزمن. وبالتالي، كان على البلاد أن تستند إلى شكل من أشكال نظام العدالة التقليدي المجتمعي المعروف باسم "غاكاكا".

وبلدان أخرى خارجة من الصراعات وتمر بفترة انتقالية، خاصة جنوب إفريقيا، اعتمدت أيضا على عملية مماثلة عبر لجانها، لجان الحقيقة والمصالحة. لكن تلك الهيئات كانت في العادة تتميز بكثير من الرسمية والطابع الوطني العام في نطاقها..

بينما النظام القضائي التقليدي "غاكاكا" في رواندا هو أقرب للصعيد الشخصي ومصمم لتحقيق النتيجة النهائية المتمثلة في السماح للناس الذين يعرفون بعضهم بعضا إمكانية استئناف العيش في المجتمع نفسه. كما انه يجمع قرية بأكملها ليشهد سكانها على عمليات الاعتراف، وعلى صدقيتها، ولتشجيع الضحية على الصفح والغفران، والاتفاق على بعض التعويضات مثل المساعدة في حراثة حقل الضحية لفترة من الوقت.

والأمر لم ينجح في كل الحالات. فعدد كبير من التوتسي الذين ارتكبوا عمليات القتل ضد الهوتو لم يحاكموا. كما أن العديد من الضحايا لم يكن بإمكانهم تحمل صدمة الاستماع إلى الطريقة التي قتل فيها أحباؤهم. واختفى العديد من الهوتو أو كان بمقدورهم إخفاء الحقيقة.

لكن قدراً كبيراً من العدالة يكمن في استعادة العلاقات بين القتلة والناجين، بقدر ما يكمن في التعويضات المادية.

احتمال ضئيل

ولم تصل رواندا بعد إلى مصاف دولة إفريقية تجاوزت "العرقية"، لكن احتمال وجود طبقة سياسية تحرض في المستقبل الهوتو والتوتسي على تبني أساليب العنف يبدو الآن ضئيلا. فمزيد من الروانديين بات لديهم شعور أقوى بهويتهم الذاتية الآن.

وكما يعمل العالم على مد يد العون لراوندا في ذكرى الإبادة الجماعية لعام 1994، فإنه ينبغي عليه أيضا أن ينشر الدروس المستفادة من هذه المصالحة في فترة ما بعد الإبادة الجماعية. وتسوية المنازعات أسلوب شائع في كل مجتمع، سواء في العائلات أو المحاكم، لكن عندما تمر كل قرية في الدولة بأكملها بهذه التسوية تقريبا، فإن الدرس المستفاد يستحق التكرار في أماكن أخرى.

Email