سدد المقاتلون السوريون الأكراد ضربةً موجعة، أخيراً، إلى جماعات المتشددين بانتزاع بلدة تل أبيض الحدودية من يد «داعش»، وقطعوا خط الإمدادات الرئيسي عن عاصمة الأمر الواقع السورية، الرقة. إلا أن وقائع المعركة أجبرت آلاف المدنيين على الفرار إلى تركيا، وعرضت خطوط الصدع القديم بين المدنيين الأكراد والعرب للخطر في أنحاء شمال سوريا.

وأكد ريدور كسيليل، المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية، أنه لم يعد يوجد في المدينة سوى بضعة مقاتلين. وقال إن المعارك لا تزال مستمرة في الريف الجنوبي، حيث تسعى وحدات حماية الشعب والجماعات المنضوية تحت لواء الجيش السوري الحر لدحر مقاتلي «داعش» وإبعادهم عن البلدات الموجودة على الطريق المؤدية للرقة.

وقال كسيليل: « كان لـ(داعش) معقل محصن في المدينة، إلا أن الوحدات دمرته وقتلت العديد منهم، أما الذين نجوا من الموت، فهربوا إلى تركيا لعدم تمكنهم من العودة إلى الرقة.»

حصار محتمل

تسود بعض الأخبار التي تشير إلى أن «داعش» يعد لاعتداء محتمل على الرقة، وفقاً لما تزعمه شبكة من الناشطين تدعى «الرقة تذبح بصمت»، وقد أشارت إلى أن مجموعات المتشددين تحفر خنادق لها شمالي المدينة، وأن رجال الدين قد دعوا عبر مكبرات الصوت في الجوامع الناس إلى تخزين الطعام والطحين، استعداداً لحصار مقبل.

وكان التحالف المناهض لـ«داعش» قد وضع ثقله في معركة تل أبيض، حيث ركزت الحملة الجوية في سوريا على دعم القوات المحاربة في المنطقة، فشنت في الفترة الأخيرة 23 هجمةً جوية على محيط الرقة، و64 غارةً أخرى على منطقتي الحسكة وكوباني المجاورتين، حيث تقدمت القوات الكردية شرقاً وغرباً، وفقا لبيانات القوات العسكرية الأميركية.

سد احتلال تل أبيض على تنظيم «داعش» أحد المعابر المهمة مع تركيا، حيث كان يعمد إلى تهريب مختلف أنواع السلع بدءاً بالهواتف الذكية، وصولاً إلى الأسمدة المستخدمة في صنع القنابل.

إلا أن الوضع بالنسبة لآلاف اللاجئين الذين فروا من المعارك إلى تركيا ليس بالسهل. وأشار المزارع خضر الفضل إلى أنه أمضى الشهر المنصرم يهرب من المعارك، معرباً عن خشيته من الأكراد وليس «داعش». وقال: « لقد رأيناهم يحرقون المنازل والمحاصيل. وهم لا يفعلون ذلك إلا للعرب، (داعش) لم يحرق منازلنا أو ممتلكاتنا، بل كان يسرق سياراتنا وحسب.»

وتتطابق رواية الفضل مع تقارير تزعم قيام وحدات حماية الشعب بتنفيذ حملة تطهير عرقي في شمالي سوريا، بهدف إخلاء المنطقة من السكان العرب. وهو زعم أكده عدد من اللاجئين العرب، وعشرات المتمردين السوريين، الذين عبروا الحدود إلى تركيا، وأصدروا بياناً أدانوا فيه عمليات التهجير.

غياب الخطط

وقال قادر أوستون، المدير التنفيذي لمركز «سيتا» للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في واشنطن: « تشعر تركيا أن مواجهة (داعش) عسكرياً، في ظل غياب أي خطة سياسية لحل مسألة الصراع السوري برمته، لا تفضي إلى أي مكان على الإطلاق. إذ إنها تتيح ببساطة لمختلف المجموعات تقديم أجندتها الخاصة، وتتمحور أجندة وحدات حماية الشعب حول ضم المناطق في سوريا، دون الأخذ بعين الاعتبار وحدة سوريا.»

ويعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السياسي للحركة الكردية، وتجمعه صلات وثيقة بوحدات حماية الشعب، التي تشكل ذراعه العسكري.

بالنسبة لآلاف اللاجئين السوريين الجدد، تحتل المماحكات السياسية الدولية أهمية أقل من التفكير في تأمين قوتهم التالي. مكث الفضل وعائلته المؤلفة من عشرة أشخاص في مخيم يقع على مقربةٍ من المعبر الحدودي مع تركيا لأيام، ليس أملاً منه في العودة إلى سوريا مجدداً، بل لأنه لا يملك أدنى فكرة إلى أين عساه يتجه، سيما في ظل شح المساعدات الإنسانية ومصادر الطعام، وواقع أن العائلة وابنها البالغ من العمر خمس سنوات فقط تفترش أرضاً تغطيها النفايات.

وقال الفضل: « إننا نخشى في الداخل الموت والرصاص. وكما ترى الوضع هنا،إننا ننتظر الموت من دون أن تصيبنا الرصاصات.»

تفنيد

نفى كسيليل مزاعم حرق البيوت بشكل قاطع، وتعهد بالسماح لجميع المدنيين العودة إلى منازلهم. وقال: « المزاعم عارية من الصحة، وهي تندرج في إطار الدعاية الحربية المدفوعة من قبل جهات مريبة. وإننا نطالب بحضور وسائل الإعلام إلى المكان لكشف زيف تلك المزاعم.» علماً أن القيود التي فرضتها السلطات التركية حتى الآن على المنطقة جعلت الوصول إليها مستحيلاً.

قد يتحمس المسؤولون الأميركيون لهزيمة تنظيم «داعش» الأخيرة، إلا أن التقدم الكردي قد يساهم في تصعيد حدة التوتر مع تركيا، التي تشكل أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وترتبط وحدات حماية الشعب بعلاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني.