في أعقاب الإطاحة بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والليبي معمر القذافي، انطلقت كل من الانتفاضتين التونسية والليبية في مسار سياسي ديمقراطي، تم خلاله انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور وصولاً إلى عقد انتخابات برلمانية، لكن فيما تمكنت تونس من عبور مرحلة انتقالها السياسي وأصبح لديها برلمان وحكومة ورئيس إلى جانب دستور يحكمها، تعيش ليبيا أوضاعاً صعبة بحكومتين ومجلسين، واحد منهما معترف به دولياً، إلى جانب عشرات الميليشيات بما في ذلك تنظيم داعش الذي كان يتوسع على حساب الطرفين، بعد سيطرته على مدينة سرت وسط البلاد.

وفي واقع الحال، فإن جملة من الشروط والعوامل كانت تمنح الانتفاضة التونسية مساراً مختلفاً عن ليبيا، بدءاً من إرث النظامين السابقين وحدّة التحولات التي طرأت، وصولاً إلى طبيعة القوى الفاعلة على الساحتين، وتأثير التدخلات الخارجية والتحولات الإقليمية، وهذه الشروط مكنت تونس من التوصل إلى تسوية سياسية، فيما لا تزال ليبيا تسير بطريق متعرج يزداد تعقيداً، وتتعثر جهود الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

المنطلقات والإرث

كانت انطلاقة الانتفاضتين مختلفة بين البلدين، فالمعروف أن الانتفاضة الشعبية في تونس لم تدخل في صراع مسلح رغم سفك الدماء، بينما إسقاط القذافي تطلب حرباً طويلة ودموية شاركت فيه عشرات الميليشيات التي أصبح دمجها في مؤسسات الدولة لاحقاً عملية مضنية، لا سيما أن عددها وصل زهاء 1700 وفقاً لموقع هيئة الإذاعة البريطانية، أكبرها اتحاد ثوار مصراتة من 40 ألف عنصر.

وبقيت المؤسسات في تونس دون أن تمس، بينما لم تكن هناك مؤسسات تذكر أيام عهد القذافي. والجيش لم يتدخل أبان الثورة في تونس، بل تم إحلال رئيس البرلمان مكان الرئيس وفقاً للأصول الدستورية، أما في ليبيا، فقد أبقى القذافي الجيش ضعيفاً مستنداً إلى خدمات أمنية يقودها أعضاء من حاشيته العائلية والقبلية، وعندما بدأت الانتفاضة التحقت وحدات من الجيش بالانتفاضة، وحلت ميليشيات متعددة مكانه، ما أضفى حالة من الفوضى.

وفي المحصلة، بقي الجيش والبنية الاقتصادية في تونس دون مساس، بينما تحطمت دولة النظام السابق في ليبيا بالكامل، وتضعضعت البنية الاقتصادية، وكان على الحكومة الليبية في مرحلة ما بعد القذافي بناء ركائز الحكم من الصفر.

وعلى عكس ليبيا، كانت هناك في تونس مؤسسات مدنية عريقة بتاريخ نضالي ضد الاستعمار وبقاعدة شعبية مهمة وبمهارات في المفاوضات الجماعية، مثل الاتحاد التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين. وهذه ساهمت في التفاوض على المسار السياسي، وقدرات التفاوض بين القوى المتخاصمة في تونس تجلت بإنشاء عدد من اللجان الخاصة بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والانتخابات.

حروب بالوكالة

وتعد ليبيا، بالمقارنة بتونس، دولة بموارد نفطية هائلة كان يجري التنافس عليها من قبل اللاعبين الدوليين والإقليميين، ولهذا السبب، بينما أخذ الصراع في تونس طابع الصراع على السلطة السياسية والدستور، فإن طبيعة الصراع في ليبيا تعدى ذلك للسيطرة على الموارد الاقتصادية، حسبما يقول الباحث حسام درويشة في «معهد الاقتصادات النامية». وبعد سقوط القذافي توزعت السلطة على مراكز قوى على المستويين الوطني والمحلي. والإضراب الذي انطلق في شرق إقليم برقة شكل جزء من تحرك أوسع نطاقا نحو مزيد من الحكم الذاتي، كما يعتقد أن القتال بين تبو والطوارق له أبعاد خارجية.

وتتحمل الحكومات الغربية والإقليمية المسؤولية عن أمور كثيرة حدثت وتحدث في ليبيا، فالتدخل الخارجي في البلاد كان قد بدأ منذ بدء الانتفاضة، وأصبح الآن حسبما يقول وزير الخارجية الجزائري السباق عبد العزيز الرحابي: «كل مجموعة مسلحة تدعمها قوة دولية، وكل هذا كان يعني حروباً بالوكالة وعقبة إضافية أمام مسار الحوار».

الأهم من كل ذلك هو أن المسار في ليبيا كان ينطوي على محاولة الخروج من حالة الحرب والفوضى، في مشهد يختلف بتاتاً عن تونس التي كانت تنطلق من نقطة متقدمة في السباق مقارنة بليبيا. وكل ذلك تقاطع مع لحظات تاريخية مفصلية كان لها تأثيرها على تطور مساري الانتقال السياسي في البلدين تجاه التسوية أو الصدام، كما سنرى.

عنف الميليشيات

في ليبيا، أجريت انتخابات المؤتمر الوطني العام في 7 يوليو 2012 لصياغة دستور خلال 18 شهراً، وفاز تحالف القوى الوطنية، لكن التحالف تفتت على أثر دعم العديد من أعضاء المؤتمر المستقلين «قانون العزل السياسي» مبدئيا في 25 ديسمبر 2012، تحت ضغط الميليشيات، مما عزز نفوذ حزب العدالة والبناء ذراع الإخوان المسلمين.

وكان العنف يتفاقم في البلاد، ومظاهرة منددة بالميليشيات في بنغازي أطلق عليها الرصاص مما أسفر عن مقتل عدد من المحتجين. وأوضاع الفوضى في مارس 2013 وصفتها مجلة «إيكونوميست» على الشكل التالي: «ميليشيات متشددة ظهرت في الشرق تقيم نقاط تفتيش في بنغازي ودرنة، وعلى طول الساحل في أقاصي الشرق.. وفي الغرب والجنوب، يتقاتل مهربون ولصوص من أجل السيطرة على تدفق البترول والأسلحة والمخدرات والبشر عبر الحدود. وفي أماكن أخرى، ترفض الميليشيات عملية دمجها في القوة الأمنية المركزية.

فقط الوحدات العسكرية الأقوى التي قادت الثورة ضد القذافي في مدينتي مصراتة وزنتان تتجاوب مع السلطات المدنية، وتلك الميلشيات بدورها تساعد في تشكيل ما يدعى «درع ليبيا»، وهي عبارة عن قوة وطنية موازية، تعمل بناء على طلب وزير الدفاع وليس بناء على أوامره». وبالإجمالي، فإن ما يصل إلى 200 ألف مقاتل أصبحوا على قوائم رواتب الحكومة وليس هناك بينهم من هو تحت سيطرتها، وفقاً لمجلة «تايم».

ويقول رانج علاء الدين في صحيفة «غارديان» إن الدعوات لنزع سلاح الميليشيات في وقتها كانت تعني تخلي الحكومة عن المسار التصالحي لصالح مواجهة مسلحة، ذلك أن للميليشيات روابط بالأحياء، وبعضها له روابط عائلية وسياسية وقبلية كقبائل الزنتان.

ومحطة مهمة في تطور الأحداث كانت موافقة البرلمان على «قانون العزل السياسي» تحت ضغط «المجلس الأعلى لثوار ليبيا» المقرب من الجماعات الإسلامية في مايو 2013، إذ زادت الانقسام المجتمعي لا سيما أنه كان يجري تسمية بلدات وقبائل بحيلها بأنها مؤيدة للقذافي.

وكانت الميليشيات ترسخ وجودها في موازاة حالة من الاصطفاف السياسي. في الغرب ظهر تحالف فضفاض من المتشددين وبعض الميليشيات القوية من مدينة مصراته، ويوازيها في القوة ميليشيات من مدينة زنتان، أما في الشرق، فكانت الميلشيات «الفيدرالية» تطالب بمزيد من السلطة والمال لمناطقها. ونتيجة لهذا الصراع متعدد الأقطاب، أصبحت البلاد غير قابلة للحكم تقريباً، وكل مجموعة لديها أنصارها في المؤتمر الوطني العام.

وفي أعلى الهرم، كانت حالة من الاصطفاف تتشكل منذ تولي علي زيدان رئاسة الوزراء بدءاً من نوفمبر 2012، وكانت القوى المناهضة له تعزز أوضاعها، يقول جايسون باك في«نيويورك تايمز» إن أطرافاً إسلامية «شهداء ليبيا» وتكتل «الإخوان المسلمون» عملت على تعزيز نفوذ«غرفة عمليات ثوار ليبيا»، وهي المجموعة التي اختطفت زيدان في 10 أكتوبر 2013، ثم أطلقت سراحه. وقيام حراس المنشآت النفطية بإغلاق موانئ النفط زاد الأوضاع تعقيدا، وبعد حادثة الباخرة»مورننغ غلوري«، وقيام المؤتمر الوطني العام بحجب الثقة عن زيدان في مارس 2014 بسبب فشل حكومته في منعها من الإبحار، دخلت البلاد في لحظة مفصلية لا سيما مع بدء ميليشيات محلية موالية للمؤتمر الوطني العام بالتقدم ناحية سرت.

وتعليقاً على تلك الأحداث، أفادت مجلة«ايكونوميست» أنه من خلال تحركه نحو الإطاحة بزيدان، أكد المؤتمر الوطني العام أنه السلطة الرئيسة في ليبيا، وما وراء مناوراته، رأى كثيرون يد الجماعات الإسلامية النافذة بقيادة حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمين. وحادثة الباخرة النفطية «مورننغ غلوري» لم تظهر ضعف الحكومة فحسب، بل قوة الجماعات الإسلامية.

ترجيح الدفة

وكان الاصطفاف السياسي من القمة إلى القاعدة يدفع باللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى الواجهة لترؤس تحالف فضفاض، وبعد أن أثبتت الحكومة المنتخبة في طرابلس عدم قدرتها على فرض سلطتها، برز معسكران، أحدهما يمثل الفصائل الإسلامية، والثاني يضم مجموعة من القوميين المناوئين لهم إلى جانب الفيدراليين والميليشيات القبلية، بما في ذلك عناصر رديفة للجيش الوطني من حقبة القذافي. وتقول «إيكونوميست» إن الليبيين تجادلوا طويلاً حول ما إذا كان من الأفضل التعامل مع المتشددين الإسلاميين المحليين بالحوار أو بالقوة، وحفتر رجح دفة الميزان.

في 18 مايو 2014 أعلن حفتر مع خمسة من الضباط تعليق المجلس الوطني العام الذي مدد ولايته، وشن حملة ضد الجماعات المتشددة في بنغازي، فجرى تحديد انتخابات لمجلس نواب في يونيو 2014 ليحل محل المؤتمر الوطني العام المنتخب عام 2012، وفاز مرشحو التيار الوطني والليبرالي لكن الفصائل الإسلامية، التي تسيطر على المؤتمر الوطني العام، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، رفضت القبول بسلطة مجلس النواب.

والهجوم الذي شنته المليشيات المسلحة من مدينة مصراته بتاريخ 12 يوليو 2014، للسيطرة على المطار الواقع تحت هيمنة مليشيات الزنتان شكل أولى طلقات الحرب الأهلية بين غرب ليبيا وشرقها بعد ثلاث سنوات تقريباً منذ إطاحة القذافي، وفقاً للكاتب باتريك كوكبرن في صحيفة «إندبندنت». وبعد استيلاء ميليشيات متحالفة مع الإسلاميين على طرابلس في أغسطس 2014 وطرد المشرعين المنتخبين أجبر مجلس النواب إلى اللجوء إلى طبرق.

وهذه التطورات الدرامية أغرقت ليبيا في أسوا أزمة سياسية منذ إطاحة القذافي في عام 2011، وكانت سبباً في انقسام البلاد بعمق بين معسكرين متحاربين: «عملية الكرامة» تحت قيادة حفتر الذي يلقى دعماً من الدول المجاورة المتخوفة من انتشار الإرهاب، و«فجر ليبيا» وهي قوة إسلامية متحالفة مع ميليشيات مسلحة من مصراتة. وقرار المحكمة العليا في نوفمبر ببطلان الانتخابات زاد من تصعيد الموقف.

وبسبب شدة الفوضى في البلاد وتهديدها المحتمل على دول الجوار، فإن الأزمة الليبية تولتها الأمم المتحدة. والمجتمع الدولي تعامل مع مجلس النواب المنتخب في طبرق بأنه السلطة الشرعية، والحكومة المنبثقة عنه حاولت حشد الدعم الدولي للتدخل في ليبيا، كما حاولت رفع حظر الأسلحة دون جدوى.

دستور تونس

أما في تونس، فقد اتخذ المسار الانتقالي اتجاهاً مغايراً إذ أخذ طابع المساومة. وبعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس بتاريخ 23 أكتوبر 2011 بتفويض لصياغة الدستور خلال عام، أخذ الصراع طابع التنافس بين حركة النهضة والمجموعات العلمانية وحقوق الإنسان على مقاعد هذا المجلس. وفوز النهضة بالأغلبية لم يكن يعني احتكارها صياغة الدستور الجديد لأن اتخاذ القرارات كان يتطلب ثلثي الأعضاء، والنهضة بدورها اختارت عدم الهيمنة كي لا تعزل نفسها، وبدلاً من ذلك تقاسمت السلطة وترأست ائتلافاً حكومياً ثلاثياً (الترويكا).

وهذا الثلاثي قاد المرحلة الانتقالية، حيث تم اختيار منصف المرزوقي رئيساً مؤقتاً، وعضواً في التكتل الديمقراطي رئيساً للمجلس التأسيسي، فيما تولت حركة النهضة رئاسة الوزراء. وكانت هناك تجارب تعاون سابقة بين أحزاب معارضة كما مع هيئة «18 أكتوبر للحقوق والحريات» في عام 2005، وحوارات مكثفة في المنفى.

ويرى الباحث درويشة أن تسهيل هيكلية المساومة تم من خلال الالتزام بالقواعد الديمقراطية وتفكيك مؤسسات النظام السابق. وتشكيل ائتلاف حكومي سمح للأحزاب في التفاوض على مختلف القضايا، وقد أظهرت الأحزاب التونسية ومنظمات المجتمع المدني تماسكاً قوياً حيث تم تشكيل في 26 يناير 2011 المجلس الوطني لحماية الثورة من تحالف من 28 هيئة، عدا مؤسسات انتقالية أخرى، أهمها الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في 15 مارس 2011 والتي أصدرت مراسيم تتعلق بالأحزاب السياسية والجمعيات والقوانين الانتخابية تستوعب الأحزاب الصغيرة وتمنع الإسلاميين من الحصول على أكثرية المقاعد، ما أجبر الأحزاب على التفاوض.

والبلاد قبل أن تصل إلى النتيجة النهائية مرت بأزمة سياسية عميقة في أواخر يوليو 2013، بعد سلسلة من الاغتيالات السياسية والاضطرابات الاجتماعية، فحركة النهضة كانت مترددة في قمع العناصر المتطرفة، التي كانت تنقلب ضد كل ما يخالفها، وكان هناك فيديو لزعيم النهضة راشد الغنوشي مع قادة أنصار الشريعة تم تسريبه في أكتوبر 2012، يظهر فيه وهو يطلب من جمهوره إعطائه «المزيد من الوقت» للتخلص من العلمانيين، الذين يسيطرون على الإعلام والاقتصاد والإدارة.

لكن بعد سقوط جنود تونسيين على الحدود الجزائرية على يد جماعة متطرفة، انتقد الغنوشي تيار «أنصار الشريعة السلفي» في 30 مايو 2013، ودخلت بذلك "النهضة" نقطة اللاعودة في حسم ترددها، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال».

واغتيال سياسي علماني آخر في أواخر يوليو 2013، صعد انتقادات المعارضة لها بسبب تشددها في مواد الدستور. وشهدت البلاد تظاهرات تطالب برحيل الحكومة وحل المجلس التأسيسي ترافقت مع انسحاب 73 مندوباً، وفي أثناء ذلك، كانت ثورة 30 يونيو في مصر حاضرة بقوة، فطرح رباعي الحوار الوطني مبادرة سياسية، وبعد مفاوضات مطولة، وافقت حركة النهضة في 22 أغسطس 2013 على تنحية حكومة علي العريّض لتشكيل حكومة تكنوقراط.، وكان تمرير دستور ليبرالي بالإجماع تقريباً في يناير 2014 المساومة التاريخية الأهم بالنسبة للنهضة. وأجرت تونس العام الماضي انتخابات تشريعية ورئاسية لاستكمال انتقالها.

وعلقت صحيفة «وول ستريت جورنال» بالقول: ساعد في ذلك أن الجيش التونسي بقي تقليدياً خارج السياسة. وبدا أن حركة النهضة قد أخذت درسا ًمن التحولات في مصر، ولم تطرح مرشحاً رئاسياً في انتخابات نوفمبر 2014.

اختلاف منطلقات الانتفاضتين التونسية والليبية أثر على مسارهما الانتقالي

لم تشهد الانتفاضة في تونس صراعاً مسلحاً على عكس ليبيا، التي شهدت حرباً دموية طويلة الأمد، وفيما اتصفت تونس بمستوى عال من مأسسة الدولة مع انفصال نسبي بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الأهلية، حسبما يقول الكاتب حسام درويشة في مقالة نشرها في «معهد الاقتصادات النامية»، فإن الحكم الفردي بل الشخصي للرئيس الليبي السابق معمر القذافي كان طاغياً، لاغياً أي دور للمؤسسات، وقد قبض القذافي وأسرته وبعض أجهزته الأمنية على الدولة والاقتصاد الليبي، ولم يستثمر في مؤسسات الدولة، وعزز حكمه من خلال التحالفات القبلية، وشرذم المجتمع الليبي بحدة على أسس طبقية وجغرافية وقبلية.

وفيما كان هناك في تونس انفصال نسبي بين النظام وعسكره، ما أبقى الجيش خارج الصراع، فإن القذافي أبقى الجيش ضعيفاً بعد أن فككه، واستند إلى خدمات أمنية يقودها أعضاء من حاشيته العائلية والقبلية (القذاذفة وقبيلتي الورفلة والمقارحة). وعندما بدأت الانتفاضة التحقت وحدات من جيشه بالانتفاضة، ومن ثم انهارت المنظومة القبلية، التي كان يعتمد عليها.

وكانت نتيجة ذلك أن تونس خرجت من الانتفاضة من دون أن تمس مؤسساتها بما في ذلك الجيش، بينما تحطمت دولة النظام السابق في ليبيا بالكامل.

عملية اصطفاف تشهدها الجماعات المسلحة المنتشرة في أنحاء ليبيا

كان تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية قد أفاد عن وجود زهاء 1700 جماعة ليبية مسلحة حاربت نظام معمر القذافي عام 2011. وتقرير آخر نشره الموقع في أكتوبر 2015 أشار إلى شكل اصطفافها على الشكل التالي:

أهم الجماعات المسلحة الإسلامية المؤيدة للمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته:

قوة «فجر ليبيا» التي قادت الهجوم على مطار طرابلس في صيف 2014، وأفيد عن حدوث انشقاق ضمن ميليشيات مصراتة عن «فجر ليبيا» أخيراً.

«درع ليبيا» يتألف من ميليشيات تعمل في أجزاء مختلفة من البلاد، كـ«درع ليبيا المنطقة الوسطى»، الذي ينقسم إلى القوة الثالثة التي تسيطر على مطار «بيراك الشاطئ» وسط ليبيا، و«درع ليبيا 1» في بنغازي الذي يقوده وسام بن حميد، الذي قاتل إلى جانب زعيم أنصار الشريعة المتوفي محمد زهاوي.

«الكتيبة 166» التي انسحبت من سرت أواخر مايو 2015، وأدى انسحابها إلى استيلاء «داعش» على مناطق شاسعة من المدينة. وفي المقابل، هناك الجيش الليبي إلى جانب وحدات وميليشيات أخرى تدعمه. وقد عين اللواء خليفة حفتر الذي أطلق «عملية الكرامة» في مايو 2014 قائداً للجيش من قبل مجلس النواب في مارس 2015. وتدعم الجيش القوات الخاصة «الصاعقة»، ثم هناك «المجلس العسكري لثوار الزنتان» و«لواء السويق» و«لواء القعقاع» في غرب ليبيا.

غموض الدرب

تبقى التحديات كثيرة في ليبيا حتى لو تسنى للبلاد تشكيل حكومة وحدة وطنية. ووفقاً لمعهد «أتلانتيك كونسيل»، هناك قناعة أممية بأن الاتفاقات السياسية لن تحل مشكلة الجماعات المسلحة، لكن وجود حكومة وطنية ضروري لتعزيز الأمن وضمان الانتقال السياسي ومواجهة «داعش». والمجتمع الدولي يرغب بحكومة يمكن التعامل معها، لكن جهوده كانت تصطدم بضغوط المتشددين الذين يؤيدون حلاً عسكرياً. ويشبه باتريك كوكبرن الوضع في ليبيا بلبنان سابقا حيث هناك العديد من مراكز السلطة، ويرجح كما في لبنان أن يكسر التدخل الخارجي حالة الجمود. ويقول المحللون إنه حتى أفضل اتفاق يبقى مجهول النتائج.