قد يبدو الأمر غريباً إلى أبعد الحدود، لكن المؤشرات تدل على أن رجال الأعمال وعمالقة عالم تعهدات البناء والمقاولات يخططون لإعادة بناء بلد مشرذم ومهشم عملياً، هو سوريا.
وقد يتبادر إلى الذهن السؤال عن جدوى إعادة إعمار البلاد وإعادتها إلى سابق عهدها، بوجود 280 ألف قتيل على الأقل، في ظل تذبذب الإحصائيات مع استمرار الحرب الأهلية. ومن عساه يكون أكثر خبرةً من نساء ورجال لبنان الذي نجحوا، ولو جزئياً، باستعادة مجد عاصمتهم بيروت، بعد 15 سنة من الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان؟
خسائر وتكاليف
ها هم خيرة رجال القطاع الخاص والنخبة في لبنان يجتمعون للنقاش حول تكاليف إعادة الإعمار المخيفة لدولة مجاورة، غير محببة كثيراً إلى قلوب بعضهم. وقدرت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الصراع السوري إلى اليوم بـ185 مليار جنيه استرليني، وأشارت هيئة الاستشارات السورية إلى أن إنجاز عملية إعادة الإعمار قد يستغرق ما بين 15 و20 عاماً. لكن لماذا الانتظار؟
قال وزير الاقتصاد اللبناني السابق نيكولا نحاس: «إذا كان جورج مارشال قد وضع خطةً لإعادة بناء أوروبا قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، فيجب على لبنان أن يبدأ منذ الآن الإعداد لإعادة بناء سوريا».
ومع أن البعض قد يعتبر كلام نحاس جريئاً، إلا أن عدداً من زملائه المتحمسين قد شاركوه هذه النظرة المتفائلة، في مؤتمر لرجال الأعمال عقد في بيروت. ولا يريد اللبنانيون أن يبقوا خارج بوتقة أرباح مسيرة الإعمار مع نهاية الحرب السورية، بغض النظر عن الجهة الحاكمة حينئذ. وتوجد مخططات لإدخال زيادات هائلة على القدرة الاستيعابية لمرفأ بيروت ومرفأ طرابلس وإعادة فتح مطار القليعات في شمال لبنان.
المصارف اللبنانية
أما بالنسبة للمصارف اللبنانية، التي توجد سبعة خاصة منها في سوريا اليوم، فتعتبر المؤسسات الوحيدة التي تعرف كيف تفتح ما يكفي من خطابات الاعتماد لتمويل صفقات مواد إعادة البناء في سوريا، مما يعني تحقيق أرباح هائلة.
وفي تطور يحمل دلالات عدة زار نبيل سكر، محلل مسار النمو والاستثمار الذي كان يعتبر أحد الأصدقاء المقربين للرئيس السوري السابق حافظ الأسد، بيروت وأبلغ اللبنانيين وموفد الأمم المتحدة بأن الأولوية القصوى يجب أن تعطى لإعادة بناء الطرق السريعة، التي تربط بين حلب ودمشق والمدن الأخرى، إضافةً إلى اللاذقية وطرطوس. لكن كيف يمكن المزج بين تلك الأحلام والواقع، لا سيما أن ملايين السوريين قد هربوا مع أولادهم، حيث يكبر المنتشرون منهم في الدول العربية على الأقل في الفقر والأمية.
وشرح الاقتصادي الفرنسي الفذ توماس بيكتي، الموجود في بيروت أيضاً، كيف أن الشرق الأوسط هو المكان الأكثر جوراً في العالم على المستوى الاقتصادي، إذ يستفيد عشرة بالمئة فقط من سكانه البالغ عددهم 280 مليون نسمة من 60 بالمئة من العائدات، في حين أن «داعش» عدو العالم العربي والرئيس السوري بشار الأسد «يتغذى على الإحباط» الناجم من غياب تلك العدالة الاقتصادية.
وتبرز على الساحة، طبعاً، مشكلات أخرى جسيمة، تتمثل في تحديد الجهة التي ستمول إعادة بناء سوريا، حيث سترفض بعض الدول العربية حتماً في ظل بقاء الأسد في السلطة، خلافاً لروسيا والصين وإيران، التي ستشترط للتمويل بقاء النظام الحالي. ولن يبقى خارج المعادلة على هذا النحو إلا المعارضة السورية المنفية والولايات المتحدة، طبعاً.
أم هل يتطور سياق الأحداث بحيث يصبح الجيش السوري المنتصر الحكم والضامن لمستقبل سوريا الاقتصادي، بغض النظر عمن يتولى مقاليد السلطة السياسية؟ إننا نعلم جميعاً أن العالم يحب العسكر. ودعونا ننظر إلى حجم الأموال التي أنفقت بما في تلك الروسية على مدى السنوات على جيوش مصر وليبيا ولبنان وسوريا، وإسرائيل حتماً. يمكن أن يكون شعار «الجيش السوري يعيد بناء الدولة السورية»، هو شعار النظام المتكرر وصيغته الثابتة، لكن يسعني تصوّر رؤيته على اللافتات منذ اليوم.
نسخ
يطرح سؤال مهم نفسه حيال الجهة التي ستتكفل بإعادة بناء الروائع النادرة في العمارة السورية، وسيحاول السوريون، كما فعل اللبنانيون من قبلهم، إعادة تصور شوارع مدينتهم وتشييدها بعد الحرب.
ويبرز بعض المتهكمين الذين يزعمون، بحق كما أخشى، أن الدمار الحاصل طال العديد من الأبنية السورية التي تعتبر من فظائع عالم العمارة. لماذا لا يصار من هذا المنطلق إلى دفع آلاف عناصر المخابرات إلى الخروج من الزنازين السرية تحت الأرض والقيام بعمل مجدٍ لإعادة بناء البلاد بسواعدهم؟
لا بدّ أن يحظى فقراء سوريا بمساكن يفخرون بها على الأقل. كما لا بد من النظر إلى الأمر على أنه فرصة لا تحدّ.