ليس أمراً مثيراً للعجب أن تتخذ مجموعات إرهابية مثل تنظيم «داعش» من ليبيا موطناً خصباً لتمدّ جذورها وتتفشى، فالبلاد مليئة بالأسلحة المتطورة، تجتاحها الميليشيات المتناحرة، وتغيب عنها الحكومة المركزية الفاعلة والقادرة على ضبط مسار الأمور.

وبالنظر إلى محصلة الفوضى التي أعقبت الحرب الأهلية الوحشية بعد الإطاحة بنظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي قبل خمسة أعوام تقريباً، يلاحظ أن الدولة المحاذية للمتوسط تمثل فراغاً في السلطة السياسية وممرا ناشطاً للاجئين المتدفقين إلى جنوب أوروبا.

وقد أعلنت الأمم المتحدة، أخيراً، موافقتها على قمع عمليات تهريب الأسلحة إلى ليبيا والحدّ من ظاهرة تدفق السلاح في بلد تغيب فيه الشرعية، ويشتهر بوجود ثلاثة بنادق للشخص الواحد. وقال مارتن كوبلر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا: «الأسلحة تذكي نار الحرب. ولا بد للشحنات أن تتوقف لتفسح المجال أمام أمل حقيقي بالسلام في ليبيا».

وقد ساهم تهريب الأسلحة بشكل غير شرعي عبر البحر في انتهاك لحظر الأسلحة السابق، في زيادة غليان الأوضاع وإمداد «داعش» بالسلاح. وتلاقي ليبيا هذا المصير وسط تقييم مخيف لمدير وكالة الاستخبارات الأميركية جون برينان يؤكد فيه عدم تراجع قدرات التنظيم.

وقد شن العديد من مجموعات المعارضة الليبية، خلال فترة أحداث الربيع العربي ثورة عنيفة ضد نظام القذافي، حيث كانت الخطة الأساسية تقضي بحماية المواطنين المحاصرين في مدينة بنغازي. ودعم الفرنسيون ولحقهم البريطانيون والأميركيون قراراً لمجلس الأمن في الأمم المتحدة أعطى الضوء الأخضر بتغيير النظام في ليبيا. وفتحت الإطاحة بالقذافي على الرغم من الترحيب بها كخطوة منتظرة الباب أمام الويلات والشرور، وأنتجت اضطرابات حادة وفراغاً ملأته الميليشيات المتعصبة وإرهابيو القاعدة.

وتبرز ثلاث قضايا أساسية، تتمثل أولاً في تثبيت دعائم حكومة الوفاق الوطني المدعومة دولياً والمتذبذبة محلياً في مقرها في العاصمة طرابلس، وخارجها، مما يشكل عقبةً سياسية كبرى أمام الميليشيات المتناحرة المسيطرة على أجزاء واسعة من البلاد. ويمكن لهذه المشكلة أن تكون أكثر تعقيداً من القضاء على شبكات «داعش» نفسه.

ولا بدّ للاتحاد الأوروبي، ثانياً، من وقف تدفق الأسلحة التي تؤجج الصراع، سيما أن ليبيا لا تخضع لحكم القوانين، وتتفشى فيها الأسلحة.

ويتعين، ثالثاً، القضاء على الشبكات الإجرامية لتهريب البشر التي ترسل المهاجرين اليائسين من غرب إفريقيا ووسطها في سفن غير آمنة عبر المياه الإيطالية بهدف الوصول إلى أوروبا. وقد شهد العام الماضي فقط تدفق أكثر من مليون مهاجر غير شرعي معظمهم من سوريا وأفغانستان إلى أوروبا، واتخذوا من ألمانيا والسويد مقصداً أولياً.

لا تزال ليبيا بحكم الدولة المتشرذمة والهشة على نحو خطير. وتشكل الاضطرابات التي تولدها أفواج الهجرة غير الشرعية، والتداعيات المقلقة للإرهاب، محصلةً قاتلة على الصعيدين القومي والإقليمي.

لا شرعية

تضاف إلى الأسلحة المهربة بطرق غير شرعية الموجودة في ليبيا مسألة شبكات تهريب البشر الناشطة على ساحل البلاد، وقد أعلن السفير البريطاني ماثيو رايكروفت أن: «ليبيا تواجه تهديداً مضاعفاً، ففي حين يواصل التنظيم السيطرة على الأراضي الليبية، تواصل العصابات المجرمة استغلال مخاوف الناس الساعين إلى مستقبل أكثر أماناً. وقد أصبحت مياه المتوسط رديفاً للمعاناة».