انتهت الجولة الأخيرة من محادثات السلام بشأن اليمن، التي عقدت في الكويت، بوساطة أممية، من دون أن تحقق إنجازاً يذكر، وسط معارك متواصلة، بسبب عدم التوصل إلى أرضية مشتركة، قد تفضي إلى تسوية مقبولة .

وبالتزامن مع ذلك، دخلت الأوضاع في سوريا مرحلة جديدة أكثر تعقيداً إلى حد كبير، حيث قد يؤدي تصعيد الأعمال العسكرية إلى المزيد من التأخير في استئناف المحادثات السياسية المنتظرة في جنيف، برعاية الأمم المتحدة كذلك.

ملامح

وهناك ملامح لافتة فيما تشهده كل من اليمن وسوريا، وتعتبر الأزمة في كلا البلدين محصلة مباشرة لعقود طويلة من حكم الاستبداد القائم على الفرد، الذي حرم السواد الأعظم من المواطنين حقهم الطبيعي في المشاركة في إدارة شؤون البلاد، الذي أدى كذلك إلى انتشار الفساد بغياب المحاسبة الضرورية، التي تضمنها الأنظمة الديمقراطية نسبياً.

وفي سياق مشابه انتفض الشعب في كلا البلدين لإنهاء حكم الأقلية، والدفاع عن الحقوق المغتصبة والمطالبة بالمشاركة في الحكم، ومحاربة الفساد، واستعادة المكتسبات الوطنية المسلوبة، حيث يجب إنشاء مؤسسات ديمقراطية طبيعية.

وقد هيأ إخفاق القوى الحاكمة والسورية واليمنية القائمة في إدراك أبعاد المؤشرات المدوية، والالتفات لتحركات الشعب المحقة، واللجوء بدلاً من ذلك إلى أساليب القمع، الأرضية المناسبة لكل أنواع التعقيدات الحاصلة على الساحتين.

وعلى غرار انهيار عدد من جولات المحادثات السياسية السابقة لحل الأزمة السورية في الأعوام الخمس الماضية، اندرج، أخيراً، إنهاء محادثات اليمن الممتدة على ثلاثة أشهر في الكويت في السياق عينه، حيث اتجه التفكير إلى خيارات سياسية.

وفي كلتا الحالتين، اتسمت المحادثات السياسية بكونها مساراً موازياً للعمليات الميدانية على أرض المعركة. وقد شهدت جولات المحادثات السابقة كافة بشأن سوريا أجواء الأطراف المشاركة التي عكستها المواقف على الأرض، إلا أننا لم نشهد يوماً استعداد أي من الطرفين، لا سيما الرسمي، لتقديم تنازلات كافية وحقيقية لتيسير مجريات التوصل إلى اتفاق.

الإخفاقات والمحادثات

وتتمتع المعارضة السورية بحقها كاملاً في التمسك بمطالبها الشرعية، غير أن موقفها طالما كان مشوشاً، حتى لا نقول مشوهاً، أولاً بفعل الواقع الذي يقول إن العديد من فصائل المعارضة تطبق أجندات جهات تدخل أجنبية تمولها وتسلحها لتنفيذ مآربها، وثانياً، بفــعل التدخل المكثف لعدد من التنظيمات الإرهابية والفظائع غير المسبوقة التي ارتكبتها.

وقد أسهم هذا الواقع، إلى حد كبير، في إثبات صحة الطروحات الخاصة بوجوب هزيمة الإرهاب قبل المطالبة بإصلاحات شرعية، وتنفيذ المطالب الشعبية. لا بد من أجل صمود أي تسوية سياسية محتملة في سوريا أن تستند إلى ركائز سياسية متينة، تتضمن تنازلات حقيقية واستعداداً مخلصاً من قبل النظام بألا يقدم على ترجمة أي انتصار على أنه ضوء أخضر للعودة إلى ممارســة الأساليب القديمــة، التي تمخضــت عنها الأزمــة بالدرجــة الأولــى.

وفي اليمن، تجدد القتال عقب فشل محادثات الكويت. وسبقت قرار الطرفين حضور طاولة المحادثات، صراعات امتدت لأكثر من عام شهد دمارا شاملا في العديد من المناطق، وانحسار موارد وخسائر جسيمة في الأرواح، يتحمل الحوثيون مسؤوليتها وفق ما هو موثق أممياً.

ويصح الاعتقاد اليوم أن تلك التطورات كانت مسؤولة تحديداً عن تمهيد الطريق للمحادثات، وإن كان هذا هو الواقع فعلاً فكم من القتال يجب أن نتوقع للتوصل إلى محصلة مغايرة؟

دعونا نأمل في الوقت الراهن أن التضحيات التي شهدها مسرح الصراع ستفرض بقوة الحقيقة القائلة بأن المحادثات أفضل من القتال غير الهـادف.

حيثيات

أدى تجاهل الوضع، الذي كان يمكن معالجته في البداية، على أنه قضية داخلية إلى تحوله إلى مشكلة إقليمية ما لبثت أن تم تدويلها.

على الرغم من أوجه الشبه بين الصراع في سوريا واليمن، اتخذ الصراع في كل من البلدين مساراً خاصاً ارتكز إلى حيثيات دينامية متفردة، ففي حين أن الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح وافق بداية على التنحي، وإن جاء مشروطاً بجملة من الحصانات والمطالبة بما يشبه الاحتفاظ بالاحترام السياسي، إلا أنه تراجع لاحقاً، وتحالف مع أعدائه السابقين لخوض حرب استعادة المنصب الذي تخلى عنه.

وبالمقابل اختار الرئيس السوري بشار الأسد القتال حتى النهاية.