تشهد كوبا اليوم، كما العديد من الدول الأكثر فقراً التي سبقتها، موجة نمو تبلغ من السرعة على عدد من المستويات، ما يجعل أي شخص لم يزرها سابقاً، عاجزاً عن وصفها.

فالإنترنت بات مباحاً أينما كان في المناطق الحضرية بكوبا، ومنتجعات السياح الفاخرة، تعلو على نحو غير مسبوق، في حين أن فلاحي المناطق الريفية لا يزالون يستخدمون الثيران في حراثة التربة الحمراء، ومزارعي التبغ يعملون على قطف الأوراق بالطرق اليدوية.

إنهم كوبيون جميعاً طبعاً، لكن إذا طلبت مني التعرف إلى كوبا الحقيقية، فسآخذك إلى بلدة صغيرة تدعى شامباس في مقاطعة سييغو دي أفاليا في وسط كوبا. وهي قرية كوبية ريفية نموذجية، محاطة بحقول قصب السكر والذرة، حيث العربات التي تجرها الأحصنة تقلّ المتسوقين المنهكين إلى منازلهم، علماً بأن امتلاك سيارة تعود للخمسينيات، أمر يتخطى قدرة أي مواطن هناك.

يقيم في البلدة رجل اسمه راوول في منزل بناه بنفسه، وهو لم يجنِ في معظم سنوات حياته، أكثر من 300 بيزو في الشهر، أي ما يقارب 12 جنيهاً استرلينياً، وهو الأجر المعتاد لمعظم موظفي الدولة في كوبا. كما يحصل على حصص تموين شهرية بالطبع، فراوول فلاح كوبي وحياته ليست سهلة، لكن في منزله كهرباء ومياه نظيفة.

إنه إرث فيديل كاسترو، المتمثل بتأمين المياه النظيفة والكهرباء للمنازل. وعادة ما يطلق الكوبيون النكات بأنهم أكثر صحةً وأفضل تعليماً من الأميركيين، على الرغم من أكثر من خمسين عام من الحصار الأميركي.

من جهة أخرى، تتجه كوبا الحضرية بخطى راسخة، لتصبح أكثر تطبعاً بالرئيس الحالي راوول كاسترو. حين زرت كوبا عام 2007، كان من النادر أن أرى شخصاً يحمل هاتفاً متحركاً، أما النصف الآخر من الشعب، فكان ممنوعاً عليه دخول الفنادق أو المنتجعات الفاخرة التي تقدم الخدمات المترفة، إلا أن كل ذلك قد تغير بالطبع.

وتسير الحياة بوتيرة عادية في بلاسيتاس التي تبعد 30 كيلومتراً شرقي سانتا كلارا، فهي بلدة كبيرة نمطية بعيدة عن المواقع السياحية، مع أنها أكبر من شامباس. وتتوفر فيها الكهرباء التي نادراً ما تنقطع، حيث معدّل الجريمة منخفض، ومستوى المدارس جيد. وترى الناس في بلاسيتاس منكبين على هواتفهم المتحركة وأجهزتهم اللوحية، يتحدثون عبر «سكايب» أو «إيمو» إلى أقاربهم في ميامي.

نجح الكثير من الكوبيين في بلاسيتاس في إدارة شركاتهم الخاصة. ويعيش هؤلاء في منازل كبيرة، ويقودون سيارات حديثة أوروبية الصنع، لكنهم لا يزالون يشكلون استثناءً. وقد أبدى معظم الكوبيين الذين تحدثت معهم، رغبةً في دعم إعادة هيكلة الاقتصاد، وإقامة علاقات أكثر متانةً مع الولايات المتحدة. إنهم مثلنا تماماً، يريدون تحسين حياتهم، وامتلاك هاتف أفضل، ومنزل أكبر، ويريدون السفر.

إلا أن أياً منهم لا يريد العيش في كوبا أخرى، مهما بلغ ثراؤها بعيداً عن الحصول على التعليم العالي المجاني، والرعاية الصحية المجانية، ووسائل المواصلات العامة الرخيصة، ومعدلات الجريمة الأكثر انخفاضاً في الأميركتين. أياً منهم. ذاك هو إرث فيديل.

رحيل

بالنسبة لي، إن كوبا الريف هي كوبا فيديل، حيث تعيش مُثُله وتستمر. وقد استفاد فقراء الريف الكوبي إلى الحدّ الأقصى من السياسات السارية التي وضعها. أحفاد الفلاحين يكبرون ليصبحوا جراحين وطيارين مدنيين. هؤلاء هم الناس الذين يعشقون فيديل، وسيبكون رحيله مؤلما لهم أكثر من غيرهم.