سيذكر التاريخ فؤاد المبزع كأول رئيس تونسي يسلم السلطة بمحض ارادته الى خلفه ، في مناخ حضاري اكد نجاح المرحلة الانتقالية الاولى في البلاد، وفي أجواء مؤثرة غابت عنها وسائل الإعلام، استقبل المبزع في قصر الرئاسة الرئيس الجديد المؤقت المنصف المرزوقي الذي نقلته سيارة مدنية ترفع في مقدمتها العلم التونسي، من مقر المجلس التأسيسي بضاحية باردو الى قصر الجمهورية بضاحية قرطاج ، وهناك تقدم احد ضباط المراسم لفتح باب السيارة للرئيس الجديد الذي وجد المبزع في انتظاره ليحتضنه ويقبله ثم يتجه معه على السجادة الحمراء الى منصة التشريفات حيث عزف لهما فريق الشرف النشيد الوطني «حماة الحمى».

ودخل الرئيسان، السابق والجديد، مكتب الرئاسة ليدور بينهما حوار لم يستغرق الا بضع دقائق، تدفقت فيها العواطف وعبارات المجاملة، حيث عبّر المرزوقي عن شكره للمبزع على صيانته الأمانة ومساهمته الفاعلة في حماية الثورة وقيادة البلاد إلى المرحلة الانتقالية الثانية، في حين عبّر المبزع للمرزوقي عن تمنّياته الحارة له بالنجاح والتوفيق خلال المرحلة المقبلة التي تتميز بكثير من التحديات الكبرى.

وفي صورة اخرى معبّرة، خرج الرئيسان معا الى ساحة القصر ليودع الرئيس الجديد المرزوقي سلفه الرئيس السابق فؤاد المبزع بعناق حار، ثم ليركب المبزع ذات السيارة التي جاءت بالمرزوقي في اتجاهه نحو منزله الكائن بضاحية المرسى القريبة من قرطاج وليس معه إلا محفظة تحتوي على بعض من أوراقه الخاصة. وكانت تونس شهدت في العام 1957 انقلابا سياسيا قاده الحبيب بورقيبة ضد الملك محمد الامين باي، آخر ملوك الدولة الحسينية التي حكمت البلاد لمدة 250 عاما ، وبعد 30 عاما قاد زين العابدين بن علي انقلابا «أبيض» على الحبيب بو رقيبة ، ثم وفي 14 يناير 2011 تم استبعاد بن علي من الحكم بعد احتجاجات شعبية ، مهدت لثورات الربيع العربي.

ظومع توديع المبزع، تذكّر التونسيون ما سبقه إليه الرئيس السوداني الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب والرئيس الموريتاني محمد ولد فال من تسليم السلطة سلمياً، مع فارق مهم وهو ان المبزع مدني وسوار الذهب وولد فال عسكريان، اضافة الى ان الثورة التونسية كانت ثورة شعبية ولم يكن للجيش أي دور فيها إلا بالحياد بحماية هيبة ومنشآت الدولة بعد الانفلات الامني الذي عرفته بعض المدن والقرى خلال الاسابيع الاولى التي أعقبت انتصار الثوار.

 والمبزع الذي ولد يوم 3 يونيو 1933 سليل اسرة ذات جذور تركية كانت قريبة من العرش الحسيني، ويعتبر من ابناء الحاضرة الأرستقراطيين او ما يسمّى بـ«البلْديّة » في تونس. وشاءت الصدف ان يسلّم مقاليد رئاسة البلاد لزعيم ذي جذور بدوية من اعماق الجنوب ، يحمل اسم قبيلة ، ويرتدي برنسا تقليديا.

أتمّ دراسته الثانوية بالمدرسة الصادقية ثم درس القانون والاقتصاد في باريس مثله مثل ابناء الاسر الميسورة ماديا في ذلك الوقت ، ثم عمل مديرا عاما للامن الوطني بين العامين 1965 و 1967 . وترأس بلدية تونس بين العامين 1969 و 1973وهو تاريخ تعيينه وزيرا للشباب والرياضة. وتقلد العديد من الوظائف والمناصب الوزارية والبرلمانية الأخرى.