لا تبدو الصورة التي تتصدر المشهد في أفغانستان اليوم، بعد عشر سنوات من الاطاحة بنظام طالبان، وردية ولا تمنح حتى القليل من التفاؤل. والنجاحات التي حققها حلف شمال الأطلسي (الناتو) في السنوات الأولى بدأت تنهار بفعل الضربات النوعية التي تتلقاها من مقاتلي طالبان الذين يبدون اليوم أكثر إصراراً على المضي قدماً في الاقتراب من تحقيق هدفهم الأول، وهو دفع «الناتو» إلى الشعور بالعجز عن هزيمة طالبان.

وتبدو عناصر السياسة الخارجية الأفغانية تشهد جموداً منذ العام 2001. إذ ان باكستان لا تزال متهمة بتوفير الملاذ للجماعات المتمردة لطالبان، وفي مقدمتها شبكة حقاني التي نفذت العديد من الهجمات النوعية، بما فيها استهداف خطوط الامداد لـ «الناتو» على الحدود بين أفغانستان وطالبان. وانعكس هذا التوتر بتحسن نوعي في علاقة حكومة الرئيس حامد قرضاي بالهند.

وبدأ قرضاي أمس زيارة للهند يمكن ان تعزز الروابط الاقتصادية بين البلدين وتؤدي الى اتفاق تقوم الهند بموجبه بتدريب الشرطة الافغانية ومن المرجح ان تثير هذه الزيارة حفيظة باكستان وسط توترات اقليمية متنامية.

والهند من أكبر الدول المانحة لافغانستان وتعهدت منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2001 بنحو ملياري دولار لمشروعات كثيرة من شق الطرق السريعة الى بناء البرلمان الافغاني. وهذه العلاقة تتغذى أساساً من من عجز او عدم رغبة إسلام أباد في تقديم مساعدة جدية لكابول في صراعها مع الحركات المتمردة. لكن الراعي السابق لطالبان تبدو بعد عشر سنوات من إزاحتها عن الحكم تمسك بمعظم خيوط الاستقرار في المناطق المضطربة خاصة تلك التي تقطنها الغالبية من قبائل البشتون جنوب وشرق أفغانستان.

 

مكاسب اجتماعية

وحققت الشريحة المنفتحة من المجتمع الأفغاني الكثير من المكاسب خلال هذه السنوات. فافتتاح باب التطوع للمرأة الأفغانية في قوات الشرطة يعتبر ضربة قاسية للفكر الطالباني. وأصبحت الفتيات يواظبن على الذهاب إلى المدارس الحكومية بانتظام بعد ان كان تعليمهن ممنوعاً في عهد طالبان. كما يمكن ملاحظة تغيرات اخرى تعكس التغييرات الاجتماعية التي تود الحكومة الأفغانية إدخالها إلى المجتمع، مثل افتتاح صالات التجميل النسائية، ومسابقات لعروض الأزياء، ومنح المرأة حق التقدم بدعاوى أمام القضاء في حال تعرضها للمعاملة السيئة.

لكن التشاؤم والقلق يسودان لدى المؤيدين لهذه المكاسب عند تخيلهم للصورة التي ستكون عليها البلاد بعد الانسحاب التام للقوات الغربية، أو حتى التوصل لاتفاقية سلام بين الحكومة والمتمردين، فحركة طالبان لا تحكم البلاد، لكنها تسيطر على جزء كبير، يخولها الاستيلاء على ما تبقى من مناطق خارج سيطرتها فور انسحاب الأطلسي. وحتى لو اقتصر الأمر على مشاركة المتمردين في الحكم ، فإن الثمن سيكون عودة نمط الحياة التي تنشدها حركة طالبان إلى المجتمع تدريجياً، ما يعني أن كل ما تحقق خلال عشر سنوات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تحمل صفة «المكسب المؤقت» إلى حين عودة «طالبان». وناشدت نساء من مزار الشريف قبل شهور المنظمات الدولية لضمان أن أي مصالحة مع طالبان لن تكون على حساب الانفتاح الاجتماعي الذي ما هو إلا كسر لنمط الحياة التي فرضها المتشددون.

إن استمرار الالتزام الدولي بالحفاظ على أفغانستان بعيدة عن أيدي المتطرفين يضمن بذل حكومة قرضاي جهوداً أكبر في تدريب قوات الشرطة والجيش بمساعدة «الناتو» ، وهو ما يعزز ثقة الشعب بالحكومة وتبعده عن الرضوخ لـ«طالبان » مجددا، وبالتالي الحفاظ على أفغانستان عنصرا داعما للاستقرار الاقليمي والدولي.

 

مكاسب المرأة

حذّرت وكالة الإغاثة الدولية (أوكسفام) من أن التحسينات التي طرأت على حقوق المرأة الأفغانية على مدى السنوات العشر الماضية، معرضة لخطر الانهيار في إطار صفقة سريعة للسلام.

وقالت المنظمة في تقرير صدر امس بمناسبة الذكرى العاشرة لغزو أفغانستان، إنه «على الرغم من تحقيق مكاسب قوية في تعليم الفتيات ودفع 2.7 مليون فتاة إلى المدارس بالمقارنة مع بضعة آلاف فقط في عهد نظام طالبان، إلا أن هذه المكاسب بدأت في الانحدار بعد عام 2001، وانخفض عدد الأفغانيات العاملات في دوائر الدولة من 31 في المئة عام 2006 إلى 18.5 في المئة في عام 2010. وأضافت أن قانون العنف ضد المرأة الذي أقرته الحكومة الأفغانية، والذي يجرّم الممارسات التقليدية الضارة بحق المرأة الأفغانية مثل جرائم الشرف وزواج الأطفال والتخلي عن الفتيات لتسوية النزاعات، يُطبّق الآن في 10 ولايات فقط من من أصل 34 في أفغانستان.

بعد عشر سنوات من انهيار حكمهم، عاد متمردو الطالبان الى الواجهة بعد ان عززوا تواجدهم وطوروا اساليبهم خصوصا لجهة التنظيم والاتصالات، حتى ان عددا من المراقبين لم يعد يستبعد عودتهم الى السلطة.

وبعد ان طردها التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في اواخر 2001 بشكل سريع من السلطة معلنا القضاء عليها، لم يعد لحركة طالبان وجود ظاهر اثر تفرق عناصرها بين السكان او انكفائهم الى الخارج خصوصا الى باكستان. وعادوا الى الظهور في العام 2004 خصوصا في معاقلهم التقليدية في جنوب وشرق البلاد قبل ان يعززوا وجودهم حتى باتوا اليوم يسيطرون او يمارسون نفوذا على ثلثي البلاد تقريبا رغم الزيادة المستمرة في عدد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يبلغ 140 الف عنصر.

 

قاعدة شبابية

وقال الملا نورالعزيز الذي كان حتى العام الماضي «قائد الظل» للمتمردين في ولاية قندوز (شمال) لوكالة «فرانس برس»: «كان بين رجالي 10 في المئة من قدامى المقاتلين (من نظام طالبان بين العام 1996 و2001) و90 في المئة من الجدد». وأوضح نور العزيز وهو اكبر مسؤول من طالبان ينشق للانضمام الى صف الحكومة ان «الشباب انضموا الى حركة طالبان بسبب ممارسات القوات الأجنبية التي قتلت الكثير من المدنيين الأبرياء».

 وغالبية هؤلاء المقاتلين الشباب من الأفغان الذي امضوا طفولتهم في مخيمات اللاجئين في باكستان حيث فرت أسرهم هربا من الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي. ويعتبر خبراء الحركة ان غالبية الزعماء فيها لا يزالون في أفغانستان.

 

متمردون و«تويتر»

وإذا كان المقاتلون الجدد على قدر التطرف نفسه كالجيل السابق، الا ان الحركة باتت تعتمد أسلوبا اكثر انفتاحا على صعيد الإعلام والاتصالات. وبعد ان كان النظام السابق يحظر التلفزيون فان زعماء الحركة يستخدمون الانترنت لحملاتهم الدعائية، فينشرون على الشبكة بصورة خاصة تسجيلات فيديو لهجماتهم او لعمليات اعدام من اجل اجتذاب الشباب، كما يستخدمون «تويتر» لموقعهم «صوت الجهاد». ميدانيا، بعض المجموعات لا تزال على التطرف نفسه مثل السابقة. فهي ترسل تهديدات لمنع النساء عن العمل او تتعرض للنساء اللواتي يعملن في السياسة او للفيتات اللواتي يقصدن المدارس.

 

تكتيك للكسب

الا ان المحلل احمد سعيدي يرى ان مجموعات اخرى تبنت موقفا اقل تطرفا. وقال :«باتوا اكثر تقبلا فهم لا ينتقدون الرجال غير الملتحين كما لا يعلقون على الملابس»، لكنه لم يستعبد ان يكون ذلك تكتيكا لكسب تأييد السكان.

واعتبر المحلل السياسي الافغاني هارون مير أنه «اذا رحل الاميركيون فان طالبان سيستعيدون السلطة دون شك».

الا ان موقف الولايات المتحدة من المسالة لا يزال غامضا. فواشنطن تتفاوض حاليا مع كابول حول اقامة «شراكة استراتيجية على المدى الطويل»، تنص خصوصا على بقاء قوات اميركية في افغانستان بعد العام 2014.

 

فرقة خراسان

 

يقف رجل معصوب العينين فوق متفجرات وترتعد فرائصه أثناء اعترافه بأنه تجسس لصالح وكالة المخابرات المركزية الامريكية في باكستان.. ثم يتراجع مسلحون ملثمون شيئا فشيئا وتنسف المتفجرات الرجل. هذا المشهد هو ما يفعله مقاتلو طالبان مع من يظنون أنهم من الخونة. وتضم طالبان أشد المقاتلين في صفوفها عام 2009 لتشكيل «وحدة خراسان» لمهمة خاصة. وتتحدى وحدة خراسان المتشددين الاخرين الذين قد يفكرون في كبح جماحها. وقال متشدد في الوحدة :«لا يوجد أحد فوق قانوننا». واشنطن ستبقى الطرف الاجنبي الابرز

بعد عشر سنوات على التدخل العسكري في افغانستان وفيما بدأ سحب الجنود، يبدو تراجع نفوذ الولايات المتحدة في هذا البلد حتميا لكن القادة الافغان سيواصلون الاعتماد على مساعدة واشنطن لفترة طويلة بحسب ما يرى محللون اميركيون. ويبقى تحقيق هذه التوقعات رهنا بقدرة نظام الرئيس حامد قرضاي ومن سيخلفه على الاستمرار. ويقول مايكل اوهانلون من مركز «بروكينغز» للابحاث ان الولايات المتحدة ستحتفظ «بنفوذ» في كابول بعد رحيل القسم الاكبر من قوات حلف شمال الأطلسي في العام 2014. وسبب ذلك بحسب رأيه ان الافغان قلقون بشكل متزايد من دور باكستان في الهجمات التي تشنها طالبان ضد القوات الاميركية لكن ايضا الأفغانية في البلاد.

ويضيف أوهانلون: «كانوا يعتقدون أنهم تمكنوا من التوصل الى اتفاق مع طالبان لكن أحداث الأسابيع الماضية خففت من هذه التوقعات» في إشارة الى اغتيال الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين رباني، موفد قرضاي للحوار مع المتمردين في سبتمبر الماضي. وخلص الى القول :«في نهاية المطاف ان الولايات المتحدة وحلف الاطلسي هم أفضل اصدقاء لهم»، مشيرا الى ان نفوذ ايران سيكون محدودا في غرب البلاد وآمال حصول تحالف بين أفغانستان والهند لن تعطي الكثير من النتائج.

ويحاول قرضاي، بدفع من المجموعة الدولية، منذ عدة سنوات إقناع حركة طالبان بالتفاوض حتى انه وصل الى حد ان يعرض عليها تولي مسؤوليات حكومية إذا ألقت السلاح. من جهته، رأى عضو مجلس العلاقات الخارجية ليسلي غلب ان الولايات المتحدة ستبقي ما بين 10 الى 15 ألف جندي في البلاد بعد 2014 من اجل تدريب جنود أفغان لكن أيضا لأسباب لوجستية واستخباراتية. وأضاف :«كلما تقدم انسحابنا تراجع نفوذنا لكن الأفغان لن يكون لديهم سوانا».

وتوقع اشلي تيليس من مركز «كارنيغي» للأبحاث ان الولايات المتحدة، وبدلا من القوات الاميركية المنتشرة في البلاد، ستستخدم الطائرات بدون طيار التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية لمهاجمة متمردي طالبان. وتوقع اشلي تيليس ان يتحركوا في المستقبل «في المواقع التي يسودها النظام نسبيا».

لكن عددهم لن يزيد، اولا لان الظروف الامنية قد لا تتحسن وثانيا لان الالتزام المدني الاميركي سيصطدم بضوابط على الموازنة. ويخلص الى القول ان «الولايات المتحدة ستكون ابرز قوة اجنبية في افغانستان في المستقبل تليها بالطبع باكستان».