ألقت الأحداث الإرهابية التي شهدتها باريس أيام 7 و8 و9 يناير الجاري بظلالها على دول المغرب العربي التي ينتمي إليها العدد الأكبر من المهاجرين المقيمين في فرنسا، فحذر وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي من أن استهداف مسلحين من أصول مسلمة لمقر صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية سيغذي موجة الإسلاموفوبيا في أوروبا، حيث تتواجد جالية مسلمة ومغاربية مهمة، داعياً إلى «عدم وقوع خلط بين الإسلام والإرهاب» ومُواجهة «أي خطر جديد يعطي وقودا لتنامي مشاعر العداء للمسلمين» في الدول الأوروبية على خلفية التطورات الأخيرة.

وأشار الوزير المغربي إلى أن بلاده التي يشكل أبناؤها شريحة واسعة من المهاجرين في أوروبا وفرنسا على وجه التحديد، معنية بموجة الإسلاموفوبيا وانتشارها، وما يترتب عنها من أعمال عنف، مُذكرا بموقف المغرب المؤكد على أن «الإسلام دين تسامح وتعارف، لا انتقام».

من جانبه اعتبر رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بنيكران في رسالة إلى الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس عن استنكاره لـ «العمل الإجرامي والإرهابي» الذي ارتكب ضد مواطنين فرنسيين، مهنئا الحكومة الفرنسية لموقفها الذي يرفض الخلط بين الإرهاب والإسلام، فيما اعتبر حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي في المغرب)، في بيان صادر عن أمانته العامة أن الهجوم يهدف للإساءة إلى علاقات التعاون والتقارب بين شعوب العالم والمنطقة، مثمنا ما وصفها بـ «المواقف المتبصرة للجهات الإعلامية والحزبية والرسمية الفرنسية، الرافضة للخلط بين الإرهاب والإسلام».

وحذرت عدد من الصحف المغربية من الارتدادات العكسية للهجوم الذي استهدف الصحافية الفرنسية، على حياة آلاف المغاربة والمسلمين في فرنسا، وعودة ما يعرف الإسلاموفوبيا التي لم تخبُ جذوتها بعد، في ظل مخاوف متصاعدة من آلاف من الشباب الأوروبي من أصول مسلمة الملتحق بصفوف تنظيم داعش بعد عودتهم إلى ديارهم الأوروبي

وأبدت الجزائر قلقها إزاء تداعيات العملية الإرهابية التي استهدفت الصحيفة على الجالية المسلمة في فرنسا، ونبهت إلى عدم الخلط بين الإرهاب والإسلام وحذرت من عمليات انتقام قد تطال المسلمين في فرنسا. وأفاد بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية أنه «وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي تتميز بموجة من المظاهرات المناهضة للإسلام فإن الجزائر تحذّر من الخلط وتشويه صورة الجاليات المسلمة في أوروبا التي هي أول من يدفع ثمن انحرافات بعض الأشخاص أو الجماعات المهمشة».

ولفت البيان إلى أن الجماعات المهمشة تشوه بتصرفاتها الإجرامية صورة الإسلام الذي كونه دين سلام وأخوة يقدس حياة وكرامة كل إنسان.

ودعت حكومات تونس وليبيا وموريتانيا إلى مزيد من التضامن الدولي في مواجهة ظاهرة الإرهاب، في حين قال مراقبون لـ «البيان» إن فرنسا قبل السابع من يناير ليست هي فرنسا ما بعد السابع من يناير 2015 مؤكدين أن موقف باريس بعد الهجوم على مقر صحيفة شارلي ايبدو يشبه موقف واشنطن بعد احداث 11 سبتمبر 2001، وأشاروا الى أن باريس ستكون حازمة خلال المرحلة المقبلة في تعاملها مع المخاطر الإرهابية التي تهدد المنطقة ووصلت الى الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط وباتت تمثل تهديدا مباشرا للقارة الأوروبية ولفرنسا بخاصة ومستعمراتها القديمة في منطقة الساحل والصحراء.

جالية مغربية مهمة

تعتبر المملكة المغربية ثاني أكثر دول العالم تصديراً للمهاجرين إلى أوروبا بعد تركيا إضافة إلى أنها واحدة من بين أكثر 15 دولة مصدّرة للمهاجرين على مستوى العالم بأسره، وفي العام 2000 كان عدد المغاربة المولودين في المغرب والذين يعيشون في الخارج 2.6 مليون مغربي، وهو ما يمثل تسعة في المئة من مجموع السكان، وفقا لدراسة أجراها جيل بيزون وهو باحث في المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية ونشرتها مجلة «السكان والجمعيات» إلا أن الرقم ارتفع ليصل إلى حوالي 4,5 ملايين بداية 2013، أي ما يعادل 13 في المئة من سكان المغرب، وتُعد الجالية المغربية في مجملها جالية شابة، إذ لا يتجاوز عمر حوالي 70 في المئة من أفرادها 45 سنة، من بينهم 20 في المئة ولدوا في المهجر.

الجزائر في المرتبة الثانية

إلى ذلك، كشف تقرير فرنسي حول المهاجرين في العالم، أن الجزائر تأتي بعد المكسيك وأفغانستان والمغرب وبريطانيا، من حيث قائمة الدول المصدرة للمهاجرين باتجاه مختلف دول العالم، مشيرا الى أن 6.7 في المئة من العدد الإجمالي لسكان الجزائر هم مهاجرون ويقيمون في الخارج، وهي نسبة تجعل الجزائر في المرتبة الرابعة على رأس الدول التي لديها أكبر عدد من أفراد الجالية بالخارج، بعد المكسيك التي لديها نسبة 10 في المئة من سكانها بالخارج، وأفغانستان بـ9,9 في المئة، والمغرب بـ9 في المئة، وبريطانيا بـ7.1 في المئة وألمانيا في الصف الخامس بـ4.9 في المئة، وأخيرا تركيا بـ 4.5 في المئة.

وكانت أرقام سابقة لوزارة التضامن والجالية بالخارج قد سجلت أن عدد الرعايا الجزائريين المقيمين في الخارج يقدر ما بين خمسة وسبعة ملايين شخص، بينما لا يتجاوز عدد المسجلين منهم على مستوى السفارات بأكثـر من مليون و600 ألف مهاجر جزائري أغلبيتهم في فرنسا.

وسجل آخر تقرير صادر عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، في فرنسا، تناقص عدد المهاجرين الجزائريين بمعدل 2.6 في المئة سنوياً منذ سنة 2009، عكس الارتفاع المسجل لدى باقي المهاجرين المغاربيين.

لكن نسبة المهاجرين الجزائريين لا تزال تحتل المرتبة الثانية بنسبة سبعة في المئة من مجموع المهاجرين إلى فرنسا سنة 2012، متساوية مع المغرب، بيد أن اليمين المتطرف يعتبر هذه النسب مغالطة ولا تعكس الواقع، لأن أغلب المهاجرين في اعتقاده قد حصلوا على الجنسية الفرنسية وبالتالي لم يعودوا معتمدين في قوائم المقيمين الأجانب، ولا يجري عدهم في هذه الإحصاءات مما جعل رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان تدعو في رسالة لها نواب الجمعية الوطنية (البرلمان) المنتمين إلى اليمين واليسار الى إلغاء ازدواجية الجنسية، مركزة على الجزائريين الذين لم يتخلوا عن ولائهم للوطن الأم رغم انتمائهم للجيل الثالث المهاجر، كما جاء في كتاب «الانتفاضة الفرنسية»، من تأليف الكاتب أوندري أوسي، أن الضواحي التي يسكنها المهاجرون المغاربة والجزائريون أصبحت تشكل ما وصفه بـ «ما يشبه الحرب الأهلية غير المعلنة» في هذا البلد، وتتميز هذه الضواحي بأنها كانت موجهة لعمال البناء الذين جاؤوا من الجزائر في سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي لتتحول اليوم عبر تأثير العديد من العوامل إلى مناطق للمشاكل والعنف في بعض الأحيان.

واعتبر الكاتب أن أساس المشكلة هو «الماضي الاستعماري العنيف الذي جمع بين فرنسا والشعوب التي ينحدر منها المهاجرون، بالإضافة إلى معاداة السامية المترسخة فيهم»، وفق تعبيره. وقال أوسي إنه لاحظ خلال زيارته حي بارباس الباريسي الذي تقطن فيه أغلبية مهاجرة من الجزائر إشادة بالعملية التي نفذها مراح بالقول إنها «تمت ضد الأعداء»، معتبرين إياها «لا تستهدف فرنسا بل اليهود».

لا خلط بين الإسلام والإرهاب

وتسعى الحكومات الأوروبية إلى تلافي أية محاولات خلط بين الإسلام والإرهاب، حيث يعتقد جل المراقبين أن أية عملية خلط من هذا النوع ستسبب اتساع دائرة التطرف والتعصب بشقيه الديني والعنصري مما يهدد السلم الاجتماعي في الدول الأوروبية. وفي هذا الإطار دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الحزم إزاء معاداة السامية والعنصرية وعدم الخلط بين الإرهابيين والديانة الإسلامية. وأضاف: «يجب أن نكون صارمين في معاداة السامية والعنصرية ويجب ألا نخلط بين الإرهابيين والديانة الإسلامية».

سياسات جديدة

وقال مسؤولون أوروبيون إن حكومات دول الاتحاد الأوروبي ستقترح سياسات جديدة في الأسابيع المقبلة تدعو إلى إقامة جبهة موحدة مع التحذير من الخلط بين الإسلام والإرهاب داعيا إلى إظهار الوحدة وحض الناس على «الفصل التام بين كلمة إرهاب وكلمة إسلام».

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موجريني إنه «من الضروري الفصل بين كلمة إرهاب وكلمة إسلام. فلا يوجد دين يمكن أن يستغل لارتكاب مثل هذه السلوكيات القاسية واللاإنسانية».

لوبان: أيديولوجيا إجرامية

بالمقابل، قالت الزعيمة اليمينية مارين لوبان إن «السبب الحقيقي وراء تنامي وتطاول هذا الإرهاب هو الهجرة المغربية إلى فرنسا».

وأضافت لوبان إن الأحداث الأمنية التي تلت حادث الاعتداء على صحيفة «شارلي إبيدو» تنبئ بأن الوضع الأمني الداخلي لفرنسا يوشك على الانفجار. وأشارت إلى أن الهجوم وقع باسم الإسلام المتطرّف وأن الإسلام المتطرف يحمل «أيديولوجيا إجرامية تؤدي إلى حصد أرواح آلاف الضحايا في العالم».

وأكدت لوبان، في حديثٍ لصحيفة «لو موند»، على أنه لا يجوز الخوف من تسمية الأشياء بأسمائها وهو أن الهجوم الذي حدث هو هجوم إرهابي باسم الإسلام المتطرّف، داعية بلادها إلى الردّ بحزم على هذه الهجمات، مشيرةً إلى أن هناك «حرباً بين الإرهاب والديمقراطيات».

تزايد المسلمين يثير المخاوف

وكان وزير الداخلية الفرنسي الأسبق كلود غيون اعتبر في العام 2011 أن تزايد عدد المسلمين في فرنسا يخلق مشكلة، مضيفا إن الحكومة ستأخذ عددا من القرارات لحماية مبادئ العلمانية.

ويأتي هذا التصريح عشية الندوة التي سينظمها حزب اليمين حول العلمانية.

وقال غيان: «في فرنسا، يعود القانون الذي أرسي العلمانية ومبدأ فصل الدين عن الدولة، الى العام 1905».

وأضاف غيان أنّه «في تلك الفترة، كان هناك عدد قليل من المسلمين في فرنسا. اليوم، يقدر عددهم بحوالي خمسة أو ستة ملايين مسلم» وأضاف «صحيح أن زيادة عدد المسلمين وبعض التصرفات يخلق مشكلة».

تهديد للهوية

وأكدت الدراسة أن عدد السكان الذين يعتنقون الديانة الإسلامية في أوروبا الغربية يتراوح بين 12 و13 مليون مسلم من أصل 377 مليون نسمة أي ما معدله أربعة في المئة من السكان الأوروبيين، ووفقًا لتقديرات الدراسة فإن فرنسا تضم أكبر عدد من المسلمين على أراضيها حيث يبلغ عدد المسلمين بها نحو خمسة ملايين مسلم، تليها ألمانيا أكثر من ثلاثة ملايين، ثم المملكة المتحدة بأكثر من مليونين ثم هولندا التي تضم 696 ألف مسلم.

استبيان

أظهر استطلاع حديث للراي العام في أوروبا تناول نظرة مواطني فرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا للمسلمين في بلدانهم أنّ 42 في المئة من المستطلعين الفرنسيين و40 من الألمان و44 في المئة من الهولنديين و47 من البريطانيين يعتبرون أن المسلمين يشكلون تهديداً لهويتهم.

وهذه النسب هي الأعلى من بين إجابات أخرى رأت في وجود المسلمين عاملاً من عوامل الثراء الثقافي، حيث أظهرت الأرقام أن 22 في المئة من الفرنسيين و24 في المئة من الألمان و19 في المئة في كل من هولندا وبريطانيا يرون في وجود المسلمين بينهم عاملاً يثري ثقافة وطنهم، ومؤشرًا على التعددية الثقافي.

 ومقابل ذلك، أبدى 36 في المئة من الفرنسيين والبريطانيين و37 في المئة من الهولنديين و34 من الألمان عدم اهتمامهم بتفسير ظاهرة المسلمين في بلادهم. بينما رأى 47 في المئة من المستطلعين في بريطانيا و48 في المئة من الفرنسيين و55 من الألمان، و60 في المئة من الهولنديين أن المسلمين لا يندمجون غالبا في مجتمعاتهم.