تحولات عميقة شهدها المجتمع الأميركي في السنوات الأربع عشرة التي تفصلنا عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. فاستراتيجية الحرب الأميركية على الإرهاب، التي جاءت رداً على الهجمات التي استهدفت برجي التجارة في نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأميركية في واشنطن، هي نفسها تغيرت إذا لم نقل إنها هزمت. إدارة الرئيس باراك أوباما تصرفت على هذا الأساس وقلبت استراتيجية الحرب التي أطلقها المحافظون الجدد خلال ولايتي الرئيس الأميركي السابق جورج بوش واستبدلتها باستراتيجية الانسحاب من العراق وأفغانستان وعدم التورط بحروب جديدة.

في عام 2015 لم يعد المسلمون وحدهم ضحايا لأعمال العنف والكراهية في الولايات المتحدة. من علامات ذلك المجزرة العنصرية في كنيسة تشارلستون في ولاية ساوث كارولينا قبل أشهر قليلة، التي ارتكبها شاب أميركي أبيض وراح ضحيتها تسعة أميركيين من أصول افريقية. أضف إلى ذلك المواجهات التي تقترب من الحرب الأهلية بين رجال الشرطة البيض والشباب السود في الأحياء الفقيرة من بالتيمور في ميريلاند إلى فيرغسون بولاية ميسوري إلى نيويورك وغيرها من الولايات الأميركية.

مخاطر

لم تعد المخاطر الإرهابية التي يشكلها مئات عدة من عناصر تنظيم القاعدة وخلاياه النائمة في أميركا وأوروبا ما يقلق موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي ورجال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، العدو اليوم هو داعش والآلاف من «الذئاب المنفردة» التي تتأثر بالدعاية الإعلامية القوية للتنظيم الإرهابي، ويتم تجنيدها في العالم الافتراضي لتنفيذ هجمات في الولايات المتحدة وأوروبا أو السفر إلى سوريا للقتال تحت راية البغدادي. أجهزة الأمن الأميركية باتت مشغولة أيضاً برصد ظاهرة «الذئاب الشاردة» من الشباب البيض العنصريين الذين نفذوا العديد من الجرائم العنصرية ضد الجالية المسلمة في الولايات المتحدة وضد أميركيين من أصول افريقية.

على صعيد الخطاب السياسي الأميركي لم يعد السجال الداخلي متمحوراً حول مسألة الإرهاب والجماعات الإسلامية المتشددة. وما عاد المرشحون للانتخابات الرئاسية الأميركية يركزون في حملاتهم على محاربة الإرهاب، ونادراً ما يأتي هؤلاء على ذكر الحرب الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد مواقع تنظيم «الخلافة الإسلامية» في سوريا والعراق.

قد يرى البعض في انتخاب باراك حسين أوباما، المولود من أب مسلم، كأول رئيس أميركي من أصول افريقية عام 2008 والتجديد له في انتخابات 2012، مؤشراً على التغييرات السياسية في اتجاهات الرأي الأميركي لمعالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا والتعصب العنصري ضد المسلمين وغيرهم من الأقليات عقب هجمات نيويورك. كان الرهان أن ينعكس هذا الحدث السياسي التاريخي تخفيفاً في حدة الاحتقان العنصري في المجتمع الأميركي، لكن النتيجة كانت على العكس من ذلك. إذ تأججت المشاعر العنصرية وخصوصاً لدى بعض الفئات اليمينية المتطرفة التي ما زالت حتى اليوم مقتنعة بأن باراك أوباما مسلم وليس مسيحياً وبأنه لم يولد أصلاً في الولايات المتحدة وتتهمه بتزوير شهادة ميلاده ليحق له الترشح للرئاسة الأميركية.

اختلال توازن

اليمين الجمهوري يرى أن الخطر الوجودي يتمثل باحتمال اختلال التوازن الديمغرافي وتحول البيض إلى أقلية في السنوات المقبلة في حال تنفيذ خطة باراك أوباما لتشريع أوضاع ملايين من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من بلدان أميركا اللاتينية. خطاب اليمين الأميركي على خطى اليمين الأوروبي يدفع باتجاه وضع أولوية محاربة الهجرة على أولوية محاربة الإرهاب. على هذا تعهد دونالد ترامب المرشح الرئاسي الأكثر شعبية أنه في حال فاز بالانتخابات وسكن البيت الأبيض فإنه سيسارع إلى ترحيل أكثر من عشرة ملايين مهاجر غير شرعي من دول أميركا اللاتينية وإقامة جدار فاصل على طول حدود المكسيك لمنع تهريب المهاجرين والمخدرات، وهو لن يتوانى عن تغيير الدستور الأميركي وإلغاء المادة التي تمنح المواليد الجدد على الأراضي الأميركية حق الحصول على الجنسية.

أربعة عشر عاماً مرت على هجمات سبتمبر، خاضت الإدارات الأميركية خلالها حروباً ضد القاعدة في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن واعتقلت الآلاف من المشتبه بهم ومن الأبرياء، واستخدمت كل وسائل التعذيب المحرمة دولياً في سجون غوانتانامو وأبو غريب وقندهار وغيرها من السجون السرية. لكن المواطن الأميركي لا يعرف حتى كيف نفذت هجمات الحادي عشر من سبتمبر ومن هي الجهات التي خططت ومولت وساعدت على تنفيذ الهجمات. فقط خمسة أشخاص وجهت لهم المحاكم الأميركية اتهامات بالضلوع في تخطيط وتنفيذ الهجمات لكن كثير من الخيوط والتفاصيل لا تزال مجهولة وغامضة. وما يزيدها غموضاً انتشار نظريات المؤامرة والشائعات عن وجود فصول سرية من التحقيقات ارتأت الأجهزة الأمنية الأميركية عدم الكشف عنها لحساسيتها.

غراوند زيرو

تحول موقع برجي التجارة العالمي في نيويورك إلى معلم سياحي يضم عدة أبراج وناطحات سحاب أقيمت على أنقاض البرجين المدمرين، وتضم عدداً من المتاحف التذكارية ومطاعم ومحطة للقطارات، وتقدر بلدية نيويورك أن يتجاوز عدد السياح الذين سيزورون الموقع يومياً بـ250 ألف زائر.

البرج الرئيسي في المجمع وهو البرج 1 من مركز التجارة العالمي والذي أطلق عليه لفترة من الزمن اسم «برج الحرية» وقد بلغ عدد طوابقه 104 ليصبح أعلى مبنى في الولايات المتحدة بأسرها، ويبلغ ارتفاعه رقماً رمزياً هو 1776 قدماً (541 متراً) نسبة إلى العام 1776 تاريخ استقلال الولايات المتحدة.