افتتح أكبر مؤتمر دولي حول المناخ رسمياً في باريس أمس، بحضور 150 رئيس دولة وحكومة على امل التوصل الى اتفاق تاريخي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ومساعدة الدول الفقيرة في مواجهة تداعياته بعد تعهدات العديد من الدول بخفض إنتاجها من الكربون وإن كان بدرجات متفاوتة، تزامناً مع إعلان حكومات الاقتصاديات العالمية الكبرى والبنك الدولي تقديم أكثر من 750 مليون دولار لتمويل التكيف مع التغير المناخي.
وشارك وفد الإمارات العربية المتحدة في «اجتماع القادة رفيع المستوى» في المؤتمر.
وترأس معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر وزير دولة والمبعوث الخاص لشؤون الطاقة وتغير المناخ وفد الدولة في «اجتماع القادة رفيع المستوى» الذي استضافه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وحضره كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والعديد من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات.
والهدف من المؤتمر الذي يستمر أسبوعين هو إعداد الاتفاق الأول الذي تلتزم بموجبه الأسرة الدولية بخفض انبعاثات غازات الدفيئة من اجل حد ارتفاع حرارة الغلاف الجوي إلى درجتين مئويتين مقارنة بالفترة ما قبل الثورة الصناعية.
وعند افتتاح المؤتمر قال مانويل بولغار فيدال وزير البيئة البيروفي الذي ترأس المؤتمر الدولي السابق حول المناخ في ليما وسيسلم الرئاسة هذه السنة إلى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن «العالم يواجه تهديدين فظيعين، الإرهاب والتغير المناخي».
وفي باحة المعارض في لوبورجيه (شمال باريس) التي تحولت لهذه المناسبة الى حصن بعد اعتداءات 13 نوفمبر الدامية في باريس، استقبل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والامين العام للامم المتحدة بان كي مون الرؤساء الاميركي باراك اوباما والصيني شي جينبيغ والروسي فلاديمير بوتين والهندي ناريندرا مودي وآخرين تحت حراسة مشددة من قرابة 2800 شرطي وعسكري.
ووقف المشاركون دقيقة صمت تكريما لضحايا اعتداءات باريس.
ويفترض ان تستمر المفاوضات الماراثونية حتى 11 ديسمبر في محاولة طموحة لوقف ارتفاع درجات حرارة الأرض بالحد من اعتماد الاقتصاد العالمي على الوقود الأحفوري.
وخلال المؤتمر عبر كل قائد بدوره ولثلاث دقائق كحد اقصى عن التزام بلاده حول المناخ.
وقال معالي الدكتور الجابر: «لقد سعت دولة الإمارات بفضل توجيهات قيادتها الرشيدة للعمل سويا مع دول وحكومات العالم المجتمعين في باريس لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تداعيات تغير المناخ».
وأضاف أن دولة الإمارات على ثقة بأن الوصول الى اتفاقية عادلة وشاملة تراعي مصالح كافة الأطراف وتسهم في المضي قدما نحو مستقبل مستدام وأكثر ازدهارا تستدعي تضافر الجهود الدولية كافة لضمان إنجاح مؤتمر المناخ في باريس.
وأكد معاليه أن الحد من تداعيات تغير المناخ يمثل أولوية هامة بالنسبة لدولة الإمارات علاوة على أنه يعد فرصة للإسهام في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والعمل على حماية البيئة في آن معا.
ولفت الوزير الجابر إلى أن الإجراءات العملية والمبادرات الطموحة لمواجهة تغير المناخ تنسجم مع سعي دولة الإمارات لتنويع اقتصادها وخلق قطاعات مستدامة والانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار لتحقيق مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
ويتميز مؤتمر باريس في دورته الحالية بالخطط التي قدمتها كل الدول المشاركة بما فيها دولة الإمارات قبل انعقاده وبشكل تطوعي والتي تقدم من خلالها مساهماتها المستهدفة على الصعيد الوطني والرامية إلى التصدي لتغير المناخ وخفض الانبعاثات الكربونية.
وتهدف مساعي الدولة من خلال مشاركتها في المؤتمر إلى خلق فرص تعزز من التنويع الاقتصادي والشراكات العالمية التي تقدم حلولا عملية وتدعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتتطلع دولة الإمارات إلى تحقيق بعض النتائج الرئيسية خلال مؤتمر باريس لتغير المناخ وتشمل.
أولا التوصل إلى اتفاق عالمي يجمع كافة الدول وينبغي أن يكون شاملا ويفسح المجال لاتخاذ إجراءات متعددة مع مراعاة اختلاف الظروف المحلية للدول وهذه مسألة بالغة الأهمية لضمان أن يرسل مؤتمر باريس إشارة واضحة إلى قطاعات الأعمال والتمويل والصناعة وعامة الجمهور بهدف دفعهم إلى اتخاذ خطوات للتصدي لتداعيات تغير المناخ.
وثانيا. أن يضمن الاتفاق على المدى البعيد النهج المرن الذي حقق الكثير من النجاح في العام الحالي. ويجب أيضا تشجيع الدول على اتخاذ إجراءات عملية طموحة تتناسب مع الظروف الوطنية لكل منها مثل تركيز دولة الإمارات على تنويع الاقتصاد والانتقال من اعتماده على المصادر الهيدروكربونية إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
وثالثا. يتعين على الدول المتقدمة الوفاء بتعهداتها تجاه الدول النامية التي تم الاتفاق عليها مسبقا وتشمل توفير الدعم المالي وتعزيز وتسريع تطبيق آليات نقل التكنولوجيا والمساهمة في إجراءات التكيف مع تغير المناخ وبناء القدرات مما سيسهم في رفع المعنويات وتحفيز الجميع لضمان مستقبل أكثر ازدهارا.
جهود
وربط الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أمس، بين الجهود الدولية في الحرب على الإرهاب وتلك الجهود المبذولة لمحاربة الاحتباس الحراري العالمي، وذلك في قمة المناخ التي تستضيفها العاصمة الفرنسية باريس.
وقال هولاند في كلمته التي ألقاها في القمة إن «الحرب على الإرهاب والحرب على الاحتباس الحراري العالمي ليسا متضادين، بل هما تحديان كبيران نواجههما كلنا». وأضاف: «لم تكن التحديات أمام لقاء دولي كبيرة مثلما هي اليوم لاننا نبحث مستقبل كوكبنا ومستقبل الحياة.
مسؤوليتنا (إزاء أولادنا) أن نحافظ على كوكب محمي من الكوارث»، إن المؤتمر الحالي هو «امل كبير لا يحق لنا أن نخيبه. علينا ان نقرر هنا في باريس مستقبل الكرة الأرضية».
من جهته، قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما: «جئنا إلى باريس لإظهار عزمنا. نحن نقف متحدين ليس فقط لإحضار الشبكة الإرهابية المسؤولة عن هذه الهجمات إلى العدالة بل أيضا لحماية شعبنا وحماية القيم التي أبقتنا أقوياء وننعم بالحرية».
وأضاف: «نحيي سكان باريس لإصرارهم على استمرار هذا المؤتمر وعقده». وأردف: «بامكاننا تغيير المستقبل الآن شرط ان نكون بمستوى التحدي. لقد اثبتنا انه لم يعد هناك تعارض بين النمو الاقتصادي القوي وحماية البيئة. لقد حطمنا الحجج القديمة بعدم التحرك. ينبغي ان يعطينا هذا بعض الامل».
أما الامين العام للامم المتحدة بان كي مون فقال «لكي اكون واضحا، ان مصير اتفاق باريس بين ايديكم. مستقبل شعوبكم ومستقبل كوكبنا». وأضاف: «لم نواجه ابدا مثل هذا الاختبار، لحظة سياسية مثل هذه قد لا تتكرر».
وحضت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل على الوفاء بالوعود «التي قطعناها في كوبنهاغن وعلينا ان نحصل على نتائج ملموسة بحلول العام 2020».
ودعا الرئيس الصيني شي جينبينغ الدول الغنية إلى أن تقدم دعما ماليا اكبر ما بعد العام 2020 للدول النامية لمساعدتها في مكافحة الاحتباس الحراري.
وكانت الدول المتطورة تعهدت برصد 100 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2020 لتمويل مشاريع مناخية في دول الجنوب.
تمويل
في السياق، أعلنت حكومات الاقتصاديات العالمية الكبرى والبنك الدولي تقديم أكثر من 750 مليون دولار لتمويل التكيف مع التغير المناخي.
وتعهدت 11 دولة بتقديم أموال تقدر بـ250 مليون دولار لمساعدة الدول على التكيف مع التحديات الجديدة التي يفرضها التغير المناخي. كما أعلن البنك الدولي بجانب أربع دول أوروبية عن مشروع بقيمة 500 مليون دولار يهدف لتوفير حوافز للحد من الانبعاثات الكربونية.