تعلمت الدفعة الأولى من المقاتلين السوريين المعتدلين الذين دربتهم أميركا أن تقاتل باستعمال بنادق «إم 16» الآلية الأميركية المحشوة بذخيرة من النوعية عينها. ولم تكن تجهيزات هؤلاء مفاجئة، فاعتبروا كطلائع لقوات الرئيس الأميركي باراك أوباما مجهزين بالكامل من قبل الجيش الأميركي، حيث قال كايل رينز، المتحدث باسم القائد المركزي المسؤول عن برنامج التدريب:«لقد كانت هذه المجموعة مدربة بشكل كافٍ.»
تحتاج وزارة الدفاع الأميركية إلى إعادة تحديد معنى «الكفاية»، حيث إن المقاتلين السوريين المدربين أميركياً لم يكونوا على مستوى المهمة، سيما أن عددهم لم يتجاوز 54 عنصراً، يديرون العمليات من بلدة مريامين الواقعة شمال غربي سوريا، ولم يكن لديهم من المعلومات الميدانية إلا القليل. لذا، وقبل أن يتمكنوا من إطلاق رصاصة واحدة على «داعش»،هاجمتهم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والعاملة في سوريا.
وهكذا هرب المقاتلون المدربون الذين لم يقتلوا أو يؤسروا. ووصف ضابط أميركي متقاعد الأمر بالقول: «لقد فشل الجهد الأميركي بالشكل والوظيفة، فهو بحاجة إما لإعادة الهيكلة، أو اسقاطه من المعادلة باعتباره فاشلاً».
إلا أن الأمور لا يفترض أن تسير على هذا النحو، ففي الربيع الماضي كان قائد الجيش الجنرال لويد أوستن يقول أمام الكونغرس الأميركي:«إننا نحرز تقدماً مهماً و(داعش) يخسر المعركة.»
إلا أنه اليوم، ومع اقتراب الخريف، يصف الجنرال الأميركي الحملة بالجمود، في حين يجرؤ آخرون على وصفها بالفوضى.
يمكن للحرب أن تسير بأسوأ ما تبدو عليه، وقد زعم محللون استخباريون أميركيون أن كبار المسؤولين العسكريين كانوا يحرفون التحليلات الاستخبارية، لجعل الحملة على «داعش» تبدو أفضل مما هي عليه فعلياً.
كيفما صورت الحرب في سوريا، فلا تزال هناك بعض الخيارات الجيدة المتاحة للجيش الأميركي في سوريا. فالرئيس السوري بشار الأسد يقاتل للنجاة بحياته السياسية وغير السياسية، وذلك بمواجهة حشد من الجماعات المتشددة بما فيها «داعش».
أما المعارضة الموجودة على الساحة السورية فتتناحر فيما بينها على موقع السيادة، فيما القوات الكردية تحارب التنظيم بمساعدة أميركية، علماً بأن تركيا حليفة أميركا في «ناتو» تقاتل الأكراد أيضا فتساهم في تعقيد إنشاء التحالفات الممكنة. وقد أتاحت أربع سنوات من الحرب الأهلية في سوريا لحليفي الأسد القديمين، إيران وروسيا، توسيع نفوذهما داخل البلاد،في الوقت الذي دفعت الفوضى إلى وقوع أزمة اللاجئين الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وغيرت روسيا، أخيراً، ملامح الصورة بتعزيز حضورها العسكري في اللاذقية،على بعد 150 ميلاً فقط شمالي العاصمة دمشق، مما دفع وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر لإجراء محادثات هي الأولى بين الرجلين مع نظيره الروسي، في حين حاول وزير الخارجية الأميركي إضفاء صفة إيجابية على الخطوة الروسية قائلا إن موسكو بذلك قد تساعد في إخراج الأسد من السلطة في ظل موافقة القليل من المحللين.
وفي ضربةٍ أخرى موجهة لجهود القضاء على «داعش»، استقال جنرال مشاة البحرية المتقاعد جون ألن من منصبه،بعد عام واحد فقط على توليه مسؤولية الجهود الدبلوماسية للإدارة الأميركية لبناء تحالف مناهض ل «داعش». وقد أحبط ذلك البنتاغون الذي تردد بالقيام بتحركات أكثر صرامةً، بما في ذلك بناء المناطق الآمنة للاجئين.
ويؤمن المرشحون الرئاسيون الجمهوريون بأن اللجوء إلى المزيد من العمليات العسكرية هو الحل. إلا أنه لا يوجد ما يضمن أن تصلح الخطوات الأعنف لأميركا المأساة المستدامة في سوريا. وقد جربت أميركا على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية العديد من الاستراتيجيات العسكرية المختلفة، في هذا الجزء من العالم، بدءاً من العراق وأفغانستان وليبيا واليمن، إلا أن أياً منها لم يحقق نجاحاً تاماً، ولعل الأمر في سوريا لا ينطوي ببساطة على حل عسكري، أو أي حل على الإطلاق.
استراتيجياً
يسهل استنتاج السبب الذي دفع أوباما للدخول على خط التفكك السوري، سيما وأن الاعتبارات السياسية قد أعاقتها منذ البداية، الخيارات الأقل سوءاً بنظر المخططين العسكري
حتى لو حققت أميركا هدفها بتدريب 15 ألف مقاتل بحلول 2018، فسيكون الوقت متأخراً. حيث يقول أنطوني كوردسمان، المحلل العسكري بأنه لن يكون أمام أميركا ثلاث سنوات، سيما وأن الاستخبارات الأميركية قد قدّرت قوات تنظيم «داعش» بحوالي 30 ألفاً.