اتسم عام 2015 من المنظور الغربي بأنه عام الهمجية الداعشية بامتياز، وقد تفتحت أشهره الأولى عن أعمال قتل وحشية في باريس، كما كادت تنتهي، مروراً بتعرض العديد من السياح الغربيين لإطلاق النيران في تونس وسوريا، وتخريب ما تبقى من مدينة تدمر الأثرية السورية، وتحطم طائرة ركاب مدنية روسية في سيناء، يعتقد أن قنبلة كانت السبب في سقوطها.
وحفزت كلاً من الاعتداءات المذكورة تضخيم الخطب التحذيرية، فوصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون القتال ضد «داعش» بأنه «صراع الجيل»، مشيراً إلى أنه يشكل بكونه تنظيماً إرهابياً «تهديداً وجودياً» للغرب، كما سبقت إرسال روسيا قواتها الجوية لقصف سوريا، دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتشكيل حلف دولي واسع، شبيه بذاك، الذي قضى على هتلر.
وسرى كذلك خوف متوقع من طابور خامس، مع توزع نحو ألفي بريطاني بين مقاتل وعروس في خدمة التنظيم. وكان لا بد من شن حرب داخلية اقتضت فرض الحظر على السفر، وسحب جوازات السفر، وأحكام سجن رادعة، وضخ المزيد من الملايين لتعزيز المراقبة.
سياسة الغرب والتنظيم
هكذا فقد دخلنا عام 2016 على وجود «داعش» على أعتابنا ومتغلغل بيننا، فهل الأمر فعلاً كذلك؟ وما الذي قد يعنيه خلاف هذا الواقع بالنسبة لبريطانيا وسياسة الغرب عموماً؟
إذا ألقينا نظرة على الواقع، فإننا نجد أنه مع نهاية العام المنصرم، تمكّن الجيش العراقي من طرد «داعش» من مدينة الرمادي، بمساعدة سلاح الجو الأميركي طبعاً. وأصبحت المدينة آمنة بما يكفي لزيارة رئيس وزراء العراق حيدر العبادي لها.
تعتبر استعادة معاقل التنظيم الأخرى أكثر صعوبة ربما، وتتمثل الجائزة الأكبر في استرداد الموصل، لذا يجب عدم المبالغة بأهمية النصر الوحيد المحقق، والجدال المتهور حول قلب المقاييس، والظن أن المدّ الداعشي في الشرق الأوسط قد بدأ مرغماً بالانحسار، إلا أنه لا يمكن تجاهل نقاط ضعف الصورة المتبلورة ذات الأيديولوجية، التي تحفل بأساليب بربرية، فهل من الواقعية بمكان الاعتقاد بإمكانية بقاء «داعش»، والخوف منه؟
قوة «داعش» ومطامعه
هنا يبرز السؤال عن مدى تماسك «داعش» كونه تنظيماً، وآفاق مطامعه الفعلية. لم يحصل أن تبنى التنظيم في الواقع مجزرة مجلة «شارلي إيبدو» في يناير الماضي، وقد تبين أن يمنياً منتسباً إلى القاعدة قام بتنفيذها، فهل يملك التنظيم هيكلية فرض الأوامر القادرة على توجيه أوامر مباشرة للقيام بمثل تلك الهجمات؟ وماذا عن المجموعات التي يزعم أنها تابعة لسلطته في ليبيا وتونس وكينيا؟ قد يكون «داعش» ، كما تنظيم القاعدة من قبله، مجرد وسم تتبناه الجماعات المتشددة لترهب الغرب.
وقد لا تكون أيديولوجية التنظيم المتشددة مصدر الجذب الأساسي، حيث إن ازدهاره في العراق جاء بنتيجة إخفاقات الغرب بشكل كبير، فالفوضى العارمة التي خلفتها بريطانيا وأميركا في العراق ملأها «داعش»، بزعمه توفير الأمن لمناصريه، ولو بأشكاله البدائية، والسلطة، التي حرم منها السنة على يد الطرفين المذكورين أعادها لهم التنظيم، كما يدعي. وهكذا نرى أن جاذبية «داعش» في سوريا وغيرها تعكس تعطشاً للنظام والانتقام أكثر مما تنحصر بفكر ديني معين.
ويشير ذلك إلى مكامن قصور قوة «داعش»، الذي إن لم يتمكن من حفظ النظام، فلا يمكنه تفويض السلطة والاحتفاظ بها، وقد لا تكون القوة العسكرية سرّ هزيمته.
يؤدي التركيز على «داعش» إلى نتائج مدمرة بشكل مباشر، حيث إنه يعمي أعين حكومات الغرب عن التغيرات الإقليمية، التي يمكن أن تنطوي على إشكاليات أكبر حجماً، كما أنها تتيح على الصعيد المحلي، لكل من بريطانيا وفرنسا، إلقاء اللائمة على غيرهما حيال الفشل في دمج أجيال المسلمين.
وهنا يبرز دور «البرابرة»، الذين توجب اختراعهم في حال عدم وجودهم، ولا يشكل تنظيم «داعش» العدو والوحش الأول المسخر لخدمة الحكومات المتسيبة، إلا أن هزيمته في الرمادي قد تشجع على النظر إليه من زاوية مختلفة.
سيطر التنظيم على الرمادي منذ مايو الماضي فقط، إلا أن استعادة المدينة يجب أن تكون قد هدأت من روع الذين يعتقدون أن «داعش» قوة ضاربة، و«تهديد وجودي» لا بدّ من محاربته بضراوة.
دوامة
إذا تساءلنا عن الأسباب التي دفعت حكومات الغرب إلى السقوط في دوامة التنظيم، فنجد أن بعضها وجيهة فالسرعة التي اتسم بها تقدم قوات «داعش» كانت لافتة للنظر، لا سيما إذا أضيفت قوة أفكاره، المترافقة مع دهاء الدعاية التي سخرت وسائل التكنولوجيا لإلحاق الصدمة بالرأي العام الغربي، من خلال نشر مشاهد من عمليات قطع الرؤوس عبر الإنترنت. وطرح التنظيم كذلك عرضاً أغرى بعض شباب الغرب، وجذبهم إلى قضية تستدعي، وفق معطياته، التضحية مقابل مكافأة أبدية.