كانت الهند في الآونة الأخيرة منشغلة بشرق المحيط الهندي. ففي مطلع فبراير الماضي، أنهت الاستعراض الثاني للأسطول الدولي الذي جمع 52 دولة وأكثر من 100 سفينة حربية في عروض احتفالية، للتشديد على ضرورة تنامي التموضع البحري للبلاد في إطار توجه الهند شرقاً.

وفي مارس الماضي، قامت بتجربة إطلاق صاروخ باليستي من غواصتها «اريهانت» التي تعمل بالطاقة النووية، والتي من المتوقع أن تدخل الخدمة قريباً.

وفي أوائل شهر مايو الماضي، شاركت البحرية الهندية في اجتماع لوزراء دفاع «رابطة دول جنوب شرق آسيا»، والذي تصادف مع تدريبات عسكرية مشتركة ركزت على مكافحة الإرهاب والأمن البحري في بحر الصين الجنوبي.

وهذه النشاطات الأخيرة تظهر أن الهند تتموضع للقيام بدور أكثر طموحاً في المنطقة بصفتها مزود للأمن البحري. لكن القدرات البحرية الحالية للبلاد تبقى غير كافية، ولكي تصبح الهند قوة بحرية إقليمية، فإنها تحتاج إلى الاستثمار في التكنولوجيا والقوى العاملة وقدرات إعداد القوات.

وتستمر الهند في الإشارة لنواياها المتعلقة بحماية المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الرئيسية للبلاد، في أعقاب التعزيزات البحرية للصين في المنطقة، عبر التعاون الدولي البحري وبسط سلطتها، إلا أن قدراتها البحرية المحدودة الجاهزة للعمل، وبرنامجها الخاص بتطوير القدرات والذي تشوبه فترات تأخير طويلة وعمليات استحواذ مرهقة، كانا يعيقان التقدم.

وقد فاقم من حدة هذا التحدي نقص الموارد المالية لتحديث القدرات، وكفاح البلاد المستمر لتمويل الجيش وسلاح الطيران.

قبل فترة من الزمن، أصبحت نيودلهي أكثر علانية في إيضاح مصالحها في جنوب شرق آسيا وما وراءها. وقد يكون الوجود البحري الصيني في منطقة المحيط الهندي وموقف الصين الصارم في غرب المحيط الهادي سبباً لذلك.

وعلى الرغم من أن الهند بقيت تقليدياً حذرة تجاه إزعاج الصين بنشاط سياسي وعسكري كبير، إلا أن الموقف الحالي لشبه القارة يشير إلى مزيج من الثقة المتزايدة وضبط النفس المحترس.

وتبدو الهند للناظر إليها بأنها تتخلى عن موانعها التقليدية، ولم تعد تنفر من اعتبارها لاعباً رئيسياً في الديناميات البحرية الناشئة في المحيطين الهندي والهادي. مواقف السياسة الخارجية للهند نحو منطقتي المحيطين الهندي والهادي منصوص عليها في سياسة التوجه المتجددة نحو الشرق التي قام بتعريفها رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي تحت «قانون الشرق» في نوفمبر 2014.

وعلى الرغم من أنه قد يكون من السابق لأوانه إصدار حكم على نتائج هذه السياسة، إلا أنها تدل على التزام الهند المتزايد بالمشاركة الفعّالة مع الجيران في شرق آسيا، والاضطلاع بدور أكثر نشاطاً في تحقيق التوازن مع الصعود الصيني، في المحيط الهندي تحديداً.

وشكل الإفراج عن وثيقة استراتيجية الأمن البحري للهند بعنوان «ضمان البحار الآمنة»، والتي أقرت بمصالح الهند الممتدة وانخراطها «في جميع أنحاء منطقة المحيط الهندي - الهادي» ودورها الناشئ كـ «مزود صاف للأمان البحري»، خير اعتراف بنواياها.

وتشكل مطالبة الصين المتزايدة ونشاطاتها العسكرية على طول خطوط الاتصالات البحرية الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادي دافعاً مهماً لاتخاذ الهند هذا الموقف، حيث إن اعتمادها على خطوط إمدادات التجارة والطاقة البحرية يستمر في النمو.

ومن الواضح أن المشهد البحري للهند يستمر في النمو باطراد، لكن تحديات كثيرة تحد من طموحاتها الجيو استراتيجية. وتقف الحكومة الحالية أمام مهمة صعبة، فيما تحاول استكمال المطلوب بالنسبة للبحرية الهندية. كما ينبغي على نيودلهي الخروج باستراتيجية شاملة ومتماسكة توازن بين الأهداف القارية والبحرية.

ووفقاً لمراجع الحسابات العام في الهند، لدى البلاد 14 غواصة تعمل على الديزل في الخدمة وغواصة واحدة تعمل على الوقود النووي، بينها 10 غواصات يمكن تشغيلها في كل مرة.

بالإضافة إلى ذلك، أنهى نصف الغواصات 75%من مدة خدمته أو أكثر، وتعاني البحرية أيضاً من نقص حاد في المروحيات المضادة للغواصات، ومن عجز في الطواقم يقدر بنحو 1400 ضابط بحرية.

ومن المرجح أن تستمر الهند في توسيع أنشطتها البحرية والسعي وراء التعاون مع القوى البحرية الأخرى، وفي الوقت نفسه بناء قواتها وتطوير قدراتها التي تتناسب مع طموحاتها في منطقة المحيطين الهندي والهادي، لاسيما في مياه المحيط الهندي.

ونظراً للدور الذي تتصوره الهند لنفسها في المنطقة، فإنه سيكون عليها بناء قدرات دفاعية كبيرة، لا سيما قدرات بحرية. وللقيام بذلك، فإن البلاد عليها التغلب على العديد من العقبات التي يمكن أن تؤثر على خطط التحديث البحرية لديها.

مشهد تجاري

ما يقرب من 90%من التجارة البحرية للهند تتدفق عبر المحيط الهندي، وحوالي 25%من تجارتها تمر عبر بحر الصين الجنوبي. وتواجه الهند مواطن دقيقة في مضيق ملقا، الذي يمثل نقطة اختناق عالمية كبرى.

وبعد أخذ العلم بهذا المشهد الجيوستراتيجي، فإن الهند كانت تنخرط بشكل أوثق، من خلال التعاون الاستراتيجي والعسكري المشترك، مع قوى محورية مثل اليابان والولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية وسيشيل وفيتنام وميانمار والفلبين.