يبرز سيل الاعتداءات التي انهالت على عالم الغرب وآخرها في نيس، مروراً طبعاً ببروكسل وباريس وسان برناردينو، التهديد المتنامي للتطرف المنطلق من سوريا. وقد أصبح لزاماً علينا بالتالي إدراك أن سياسة احتواء أزمة سوريا لم تنجح، وتلك سياسة تعود غالبية أسهمها للرئيس الأميركي باراك أوباما ويؤيده في اعتمادها عدد من المثقفين الداعمين.

وعلى الرغم من انتشار مواضع اختباء تنظيم «داعش» حول العالم، تشكل سوريا، كما ذكر المؤلف ويل ماك كانتس في كتابه «نهاية داعش»، قلب الزلزال. وتعتبر المركز ليس من حيث سيطرة التنظيم على الأراضي عملياً، بل لجهة الرواية التي يشتهر بها، وتشير إلى أنه يشن حرباً مروعة، يزعم أنه «سيحرر» من خلالها منطقة الشرق الأوسط، ويحولها إلى دولة كبرى تخضع لسيطرته.

لا بد لنا اليوم من التفكير في حلّ للمشكلة سريعاً، وإني أقترح إحداث تغييرات على سياسة أميركا إزاء سوريا. أعتقد أننا نحتاج على المستوى الدبلوماسي إلى أن نضع تصوراً له علاقة نوعاً ما بالنموذج الكونفدرالي على أنه هدف سياسي لنا. ليس هناك من طريقة واقعية أخرى لمواجهة الواقع القائل بأن الولايات المتحدة الأميركية لا تحظى بحلفاء أساسيين على الأرض، بإمكانيات قتالية حقيقية سوى الأكراد. ومع ذلك، فإن أميركا لا تزال تأمل القضاء على «داعش»، و النصرة، وفي الوقت عينه استبدال الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن هذا النهج لا يتسم بالمنطق.

ثانياً، وفيما يتعلق بالعتاد العسكري الموجود ميدانياً، فتبرز العديد من الأمور التي ينبغي القيام بها على نحو مغاير. حيث لا بد للولايات المتحدة أن تبدي من جهة استعداداً أكبر للعمل مع مجموعات وصمت في السابق بارتباطها بجبهة النصرة، وذلك طالما أنها تستطيع أن تثبت أن تلك المجموعات ليست جبهة النصرة بحدّ ذاتها. ويتعين عليها من هذا المنطلق أن تشرع بمدّها بالصواريخ المضادة للدبابات، دون الطائرات، وتقديم المزيد من المساعدات في إطار تزويدها بالذخيرة، والمواد اللوجستية، والغذاء وإعانتها على البدء ببناء قواتها الخاصة.

ويتوجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تتعامل بذكاء مع توظيف مختلف الخيارات المتعلقة بمناطق الحظر الجوي، بمعنى أنها لا تستطيع إسقاط أي طائرة دون أن تعرف ما إذا كانت روسية أو سورية، إلا أنه بمقدورها التصويب على الطائرات الروسية في الجو، وتدمير الطائرات السورية على الأرض إذا تبين أنها قامت، على سبيل المثال، بقصف حي من الأحياء السورية بالبراميل المتفجرة.

وأخيراً، يتوجب على الولايات المتحدة أن تدفع قدماً وتبذل المزيد من الجهود في نقاش المعنى الحقيقي لإنشاء الملاذات الآمنة. ولا أعتقد أنه يتعين على أميركا الانطلاق في الإعلان عن الملاذات الآمنة، بقدر ما يجب أن تقوم بمساع تفضي للمساعدة على إنشاء تلك الملاذات بالفعل.

ويحرز الأكراد نوعاً من المكاسب في شمال شرق سوريا، على سبيل المثال، تماماً كما تفعل بعض القوات المتمركزة على الجبهة الجنوبية. ومن هنا، فإنه إذا بدأت الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها بتسريع وتكثيف نطاق مشاركتها في المعارك الميدانية في تلك المناطق، فلا بد حينئذ من ظهور الملاذات الآمنة بالضرورة. وتتمثل إحدى النتائج الإيجابية المنبثقة عن تلك الطريقة بأنها لا تتطلب وضع المصداقية الأميركية على المحك، بينما تساعد الحلفاء المحليين على زيادة وتعزيز نجاحاتهم الميدانية.

ومن المؤكد أن أياً من تلك الاقتراحات لن يشكل الحلّ النهائي للأزمة، وأن كلاً منها ترافقه تحديات خاصة به. إلا أن أميركا تحتاج بلا أدنى شك لسياسة أكثر واقعية في سوريا، تقوم على إدراك أعمق بأن النهج ثلاثي الأهداف المعمول به لا ينجح، وأنه لن ينجح مطلقاً إذا استمر الوضع الراهن على حاله.

تحرك

تعتمد السياسية الأميركية الحالية على القيام بتحرك ثلاثي الأهداف، فتسعى لإنشاء قوة عمليات مشتركة روسية أميركية تتصدى للنصرة و«داعش»، وتقلّص اعتداءات الرئيس السوري بشار الأسد على المقاتلين المعتدلين. لكن السؤال يبقى: هل سيتحقق ذلك بالفعل؟ ويستحق وزير الخارجية الأميركية جون كيري الثناء على جهوده . إلا أنه بوجود 300 عنصر أميركي فقط على الأرض ، فإن هذه الطريقة محكومة بالفشل، ويعود السبب في ذلك إلى أنه لا توجد أي استراتيجية لتغيير هذا الواقع.