حشدت روسيا، أخيراً، وحداتها العسكرية، التي يصل قوامها إلى ألوف الجنود شمالاً في بريانسك وشرقاً بالقرب من روستوف وجنوباً في إقليم القرم، وغرباً في منطقة ترانسنيستريا المولدوفية التابعة للانفصالين، وذلك في مؤشر على استعدادها لخوض القتال.

ورجحت مصادر رفيعة المستوى أن يكون الاستنفار العسكري الروسي خطوة ذات دلالة تسبق قمة مجموعة العشرين المقررة أوائل سبتمبر المقبل، كما ألمح أحد كبار المسؤولين الاستخباريين الأوروبيين إلى أن روسيا تتلاعب بمستوى التوتر في المنطقة، على غرار ما فعلت سابقاً بما يتناسب مع أجندتها قبيل جولةٍ أخرى من المحادثات الدبلوماسية.

وليس التهديد بالحرب سوى محاولة لإعادة تفسير اتفاقية مينسك بما يخدم المصالح الروسية.

تصعيد واستعدادات

وأشار معهد دراسات الحرب الأميركي في تقرير له، أخيراً، إلى أن «استعدادات الخوض في حرب تقليدية روسية أوكرانية تتصاعد، وأن احتمال وقوع الحرب المفتوحة يزداد ترجيحاً بسرعة».

وبدت تلك الخطوة أقرب إلى التحقق على أرض الواقع مع تعهد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أخيراً، باتخاذ «تدابير مكثفة» ضد كييف، رداً على ما وصفته روسيا بمحاولة الاعتداء الإرهابي لوزير الدفاع الأوكراني.

وقالت كاثلين وينبرجر، المتخصصة في الشؤون الروسية والأوكرانية في معهد دراسات الحرب: «هناك مؤشرات بغاية الوضوح تدل على أن روسيا تستعد للتصعيد وتجاوز الحدود، وإننا نقرأ تقارير عن قوافل عسكرية كبيرة توجهت إلى مناطق الانفصاليين، وإرسال الجيش الروسي إلى الحدود كما العديد من العتاد البحري إلى البحر الأسود.»،

وأكد جنرال إيغور رومانينكو نائب رئيس هيئة الأركان العامة الأوكراني السابق: لا أتوقع اجتياحاً عسكرياً شاملاً في الوقت الراهن، حيث الخسائر التي قد تتكبدها قوات بوتين تبدو جسيمة، في حين أن النصر ليس محتوماً. إنه يحاول إرغام قادة المجتمع الدولي على تقديم تنازلات، تبدأ بتخفيف العقوبات وإجبار أوكرانيا على تبني اتفاق مينسك وفقاً لتفسيراته.

محاولة قلب الأمور

وأضاف رومانينكو: بوتين ليس سعيداً بالوضع، ويرى أنه مع مرور الوقت تتجه الأمور للأسوأ لناحية مخططه المتعلق بأوكرانيا وروسيا على المدى البعيد، لذا فإنه يحاول قلب الأمور لصالحه.

ويستبق بوتين بحسب رومانينكو قمة مجموعة العشرين المزمع عقدها قريباً، حيث من المؤكد أنه سيلتقي بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبحث في الوضع الأوكراني، ويرمي من خلال التصعيد إلى إعادة تفسير اتفاقية مينسك بما يخدم مصالح روسيا.

وقال ألكس كوتشاروف، محلل المخاطر في معهد دراسات الحرب: أظننا على وشك أن نشهد تصعيداً على طول خطوط التماس، حيث سيحصل المزيد من القصف والعنف والاقتتال.

أما من الناحية السياسية، فيشكل استحواذ الانفصاليين على المزيد من الأراضي إذا حصل ضربةً سيئة لروسيا في المفاوضات، علماً بأن دفع أوكرانيا للانخراط في أعمال عدائية من دون السماح بسيطرتها قد يلعب لصالح روسيا التي ترغب في تصوير كييف على أنها شريك غير موثوق به، ويقوض الدعم الذي تحصل عليه من الغرب.

ويذكر أن حالة الإرهاق التي تعتري الدول الأوروبية حيال الوضع الأوكراني قد بلغت ذروتها، وأن بوتين يراهن على أنه بافتعال المزيد من أعمال العنف، وإثارة ردّ أوكراني غاضب، فإنه قد يتمكن من شق الصف وإعادة تحديد معالم بروتوكول مينسك على نحو يخدم مصالحه.

انهيار

سمع على امتداد ليل شرقي أوكرانيا المضطرب في الآونة الأخيرة دوي انفجارات قذائف مدفعية، في حين سجل المراقبون الدوليون هناك وقوع عشرات التفجيرات كل مساء، بما يؤكد أن عملية وقف إطلاق النار الموقعة بين كييف والانفصاليين المدعومين من روسيا تنهار بشكل سيئ.

وكانت الاشتباكات قد اندلعت بشكل متقطع في يوليو الماضي، إلا أن أوكرانيا وحلفاءها اليوم يشهدون تطورات أكثر إثارةً للقلق تتجسّد بالحشد الهائل للقوات الروسية النظامية في القرم وعلى طول الحدود المشتركة بين البلدين.