أهمية البحوث التاريخية عن المنطقة

إن البحوث التاريخية المتخصصة في منطقة الخليج، خصوصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، من الركائز الحيوية لبناء وعي وطني أصيل وفهم عميق لمراحل التكوين الاجتماعي والسياسي والثقافي للمنطقة. فالتاريخ ليس مجرد تسجيل للأحداث، بل هو مرآة للهوية ومرجع لفهم الحاضر واستشراف المستقبل. وكما قال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «من لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره ومستقبله، فمن الماضي نتعلم ونكتسب الخبرة ونستفيد من الدروس والنتائج».

فلطالما كانت منطقة الخليج ملتقى للحضارات ومرتعاً للتجارة البحرية، ومسرحاً لتداخل ثقافي واقتصادي مستمر. وهو ما يجعل دراسة تاريخها ضرورة وليست ترفاً أكاديمياً. وفي حالة الإمارات، التي شهدت تحولاً هائلاً خلال العقود الخمسة الماضية، تبرز الحاجة إلى استكشاف مراحل ما قبل الاتحاد، وسبر أغوار الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في القرون الماضية.

ومن أبرز من ساهموا في إثراء هذا المجال، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، من خلال مؤلفاته القيمة مثل «بيان للمؤرخين»، «حديث الذاكرة». وللمستشار جمال بن حويرب إسهامات لافتة في مجال توثيق الشخصيات المؤثرة من خلال برنامج «الراوي» الذي قدمه على شاشة تلفزيون دبي على مدى مواسم رمضانية عديدة. كما قدم الدكتور عبدالخالق عبدالله تحليلات مهمة في إطار التحولات الخليجية الحديثة، خصوصاً من خلال كتابه «لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر»، الذي وثّق فيه تطور الدور الخليجي في المشهد العربي. وللدكتور حمد بن صراي مساهمات مهمة في هذا المجال مثل كتاب «تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم».

إلى جانب ذلك، هناك جهود بحثية متخصصة قام بها أكاديميون، مثل الدكتور محمد فارس الفارس، الذي ركّز على التاريخ الاجتماعي للإمارات وتاريخ التعليم والاتصال السياسي. كذلك كتاب «الشحوح وتاريخ منطقة رؤوس الجبال في الخليج العربي» للدكتور فالح حنظل، كما أسهم الباحثون في «الأرشيف الوطني» في توثيق آلاف الوثائق والصور والمخطوطات، ما أتاح للباحثين مادة أولية ثمينة.

ورغم هذه الجهود المهمة، لا تزال الحاجة قائمة للمزيد من المشاريع البحثية، خصوصاً تلك التي تعتمد على الوثائق الأرشيفية والسجل الشفوي.

إن دعم هذه البحوث مسؤولية وطنية، ليس فقط لتوثيق الماضي، بل لبناء وعي مجتمعي مستنير ومتماسك يعزز من استدامة الهوية الإماراتية عبر الأجيال.