منذ أكثر من ‬400 سنة، كتب الأديب الإنجليزي وليام شكسبير تراجيديا أثارت الانتباه، تدور حول أمير دانمركي شاب يحظى بالقبول، وهو هاملت الذي تعهد بالإقدام على العمل الصحيح المتمثل بالثأر لمقتل والده. وسرعان ما أثبت ذلك أنه مجرد قول أسهل من الفعل، ونتيجة لذلك لم يتمكن هاملت من القيام بالتصرف المناسب في الوقت المناسب تماما، وذلك نظراً لأوجه الغموض التي كان يتعين على هذا الأمير الرقيق الخوض في غمارها أولاً. في غضون ذلك سقط الكثير من الضحايا، نتيجة التردد وعدم اتخاذ القرار بسرعة.

لقد أراد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يقدم لنا كل أشكال الرعاية الصحية الشاملة، لكنه اكتشف بعد ذلك أن أميركا منكسرة، وأن معظم الناس لا يحبون سيطرته الفيدرالية واسعة النطاق. لذلك، فإننا حصلنا على برنامجه للرعاية الصحية، وما يتجاوز ‬1000 إعفاء، حتى الآن، للنقابات والشركات والولايات بأسرها، نتيجة خطته الرئيسية.

وأمل أوباما إرضاء مؤيديه الليبراليين، من خلال المزيد من برامج إعادة التوزيع الحكومية، وفرض ضرائب أعلى على الأثرياء. لكن مثل هذه الاستحقاقات تكلف الكثير من المال، أي أكثر من ‬4 تريليونات دولار، على شكل اقتراض جديد في غضون ثلاث سنوات فقط، وتهدد بتخويف القطاع الخاص الموفر للوظائف، ولذا فإن الرئيس لا يكتفي بالاقتراض بمستويات قياسية فحسب، غير أنه يشكّل لجنة لتحذيرنا من أن الاقتراض الذي يقوم به سوف يؤدي إلى إفلاس البلاد في وقت قريب! إنه ينتقد «المصرفيين الموثرين» والأغنياء الذين كونوا ما يكفي من المال «في مرحلة ما»، رغم أنه يتودد إليهم من أجل المشاركة في حملة التبرعات، ويتمنى أن تبدأ شركاتهم في التعاقد مع موظفين جدد.

لقد حذرنا أوباما من أننا لا يمكننا شق طريقنا بمنأى عن أزمة الغاز الحاصلة، وأننا نحتاج بدلا من ذلك إلى تطوير الطاقة الخضراء الجديدة. وكدليل على ذلك، قام باقتراض مليارات الدولارات لتعزيز طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأوقف معظم العقود الجديدة للتنقيب عن الوقود الأحفوري، في ألاسكا والغرب وعلى السواحل الأميركية. لكن اتضح أننا ما زلنا بحاجة لقدر كبير من النفط، لأن سعر الغاز يقترب من ‬4 دولارات للغالون. لذلك فإن الرئيس يتفاخر بأن أميركا تقوم حالياً بضخ مزيد من النفط تحت إدارته الخضراء، أكثر من ذي قبل، لكنه تجاهل الإشارة إلى أن هذا صحيح فقط، لأن الرئيسين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش وافقا منذ أمد طويل على هذا النوع من عقود النفط التي رفضها أوباما.

لقد أراد الرئيس أوباما الحصول على الكثير من أجل وقف الحرب التي بدأت في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على الإرهاب، لدرجة أنه منع تداول عبارة «الحرب على الإرهاب» تماماً. وقدم اعتذاراً للعالم الإسلامي، ووعد بـ «إعادة ضبط» السياسة الخارجية لأميركا، وتعهد بإغلاق معتقل غوانتانامو، ووقف بروتوكولات بوش الأخرى المقززة بشأن مكافحة الإرهاب.

لكن رئيسنا «أكون أو لا أكون»، أراد أيضا أن يستمر في إبقاء أميركا في مأمن من هجوم إرهابي آخر على طريقة الحادي عشر من سبتمبر ‬2001، لذلك فقد أبقى معتقل غوانتانامو مفتوحاً، وضاعف عدد الهجمات دون طيار أربعة أضعاف، وقام بالحفاظ على أو توسيع كافة البروتوكولات من عهد بوش، التي كان يسخر منها في يوم من الأيام.

على الصعيد الخارجي، تمنى أوباما الجديد متعدد الأطراف، ألا يعمل إلا بالتنسيق مع الأمم المتحدة وحلفاء أميركا. فقد تعهد باحترام سيادة الدول الأخرى، وألا يتم «التدخل» في شؤونها من خلال فرض القيم الأميركية. لكن الرئيس أوباما تبنى أيضاً حقوق الإنسان الأبدية والشاملة، وأراد للولايات المتحدة أن تكون في الجانب الصحيح من التاريخ. فقد انتقد تدخل أميركا لتعزيز الديمقراطية في العراق، رغم أن نائبه أشاد بذلك. قمنا بزيادة قواتنا في أفغانستان، رغم أننا حددنا مهلة للرحيل. وتعهدنا بعدم التدخل لدعم المتظاهرين الإيرانيين، وأن نتدخل لدعم المتظاهرين في مصر.

لقد كان الرئيس المصري السابق حسني مبارك مستبداً وغير مستبد، وهو من اضطر للرحيل أمس أو اليوم، أو ربما غدا. يعتبر الوضع في ليبيا «غير مقبول»، لكن مسألة جعله مقبولاً على وجه الدقة، لم يكن هدفا مطلقاً منصوصا عليه. يقال إن التدخل هناك لدعم الثوار سوف يكون أمراً طيباً.

يقول لنا الرئيس أوباما إن المستبدين في الشرق الأوسط يتسمون بالقسوة، عليهم أن يرحلوا، لكن المبرر والوسيلة إلى ذلك لم يتم ذكرهما أبداً. هل من المفترض أن لا يفروا إلا عندما تبلغ الاحتجاجات حجماً حرجاً؟ في مصر وتونس، وليس في أماكن أخرى؟

أمضى الرئيس أوباما معظم حياته في المدارس، إما متعلماً أو مدرساً، أو في صياغة قوانين لم يكن مسؤولا عن تطبيقها. كانت خطب الأمل والتغيير التي ألقاها مؤثرة في جوهرها، كما أنها كانت تنقصها التفاصيل.

لكن أوباما يشغل الآن منصب رئيس السلطة التنفيذية، ويتعلم، كما فعل الأمير هاملت، أن التفكير في كل جانب ممكن للمسألة، يمكن أن يعني عدم التصرف أبدا في أي منها، وهو نمط من «السجن» الشكسبيري، حيث «لا يوجد شيء طيب أو سيئ». فالقلق بشأن إرضاء الجميع يضمن عدم إرضاء أي أحد. ومرة أخرى، فإن مثل هذا «الوعي» يجعل منا جميعاُ جبناء.

إن شخصيات هاملت، الماضي والحاضر، تلقى الإعجاب من الناحية النظرية، بالقدر نفسه من كونها متلونة، وفي كثير من الأحيان تكون في واقع الأمر خطرة.