باتت الخدمات الطبية والرعاية الصحية، واحدة من أهم الأولويات التي توليها الدول المتقدمة اهتماماً ورعاية خاصة، في إطار الحرص على صحة ورعاية المجتمع. وفي دولة الإمارات، بات ذلك في مقدمة سلم الأولويات في خطط التنمية الوطنية والاستراتيجية، حيث تجسد ذلك في مناسبات كثيرة، كرسها لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مع الأطباء المواطنين.
وذلك إدراكاً من قيادتنا الرشيدة لأهمية ودور الطبيب المواطن، حيث بات إعداد الكوادر الطبية من المواطنين مهمة وطنية، يعوّل عليها الكثير من الآمال والطموحات في تطوير الرعاية والخدمات الطبية، والارتقاء بها إلى مصاف العالمية، في ظل توفر الإمكانات المادية والبشرية، وكذلك في ظل الحاجة المتنامية لتوفير تلك الكوادر، ومن كافة التخصصات التي تلبي حاجة الوطن لتأمين رعاية صحية تليق بمكانة وسمعة دولة الإمارات.
إن مهنة الطب أولا وأخيراً هي أخلاقيات ومبادئ، وكسب لثقة المريض بالدرجة الأولى، ولا بد من التأكيد على أهمية وأحقية وأولوية حصول المريض على الرعاية الصحية، وضرورة أن يختار المريض الطبيب المعالج والمشفى الذي يطمئن إليه ويحقق له العلاج الجيد. وبات من الضرورة بمكان، أن تعي المشافي الحكومية والخاصة هذا الدور بشكل أكبر، حيث إن هناك خللا في النظرة الطبية للمريض، وخللا في الهيكلية الإدارية الطبية، لا بد من إعادة النظر فيهما، مع التأكيد والإشارة
في الوقت نفسه إلى أن المنافسة السلبية بين المشافي الحكومية التي باتت تديرها بعض الشركات الخاصة، وبين المشافي الخاصة، انعكست سلباً وتراجعت الخدمات الطبية النوعية بشكل كبير وملموس، وبات واضحاً التحول إلى منافسات ربحية، بدلاً من أن تكون تنافساً على تقديم أفضل الخدمات العلاجية. كل ذلك يأتي في ظل تضخم إداري، على حساب صحة المريض، وتوفير الكوادر الطبية التخصصية المتميزة.
ومن هنا تأتي أهمية التأكيد على إعداد الكوادر الطبية من المواطنين، حيث بات إعداد الكادر الطبي المواطن في كافة التخصصات، مهمة وطنية، يجب أن نسعى جميعا إلى تحقيقها ودعمها وتشجيعها، كون ذلك من أهم متطلبات التنمية الوطنية في هذا الجانب المهم والحساس.
وفي الوقت نفسه، لا بد من الإشارة هنا إلى أن المؤسسات الصحية في القطاعين العام والخاص، عليها أيضاً أن تطور من مفهومها وأدائها، بحيث يكون المريض هو محور العملية والرعاية الصحية، والاهتمام به بعيدا عن التركيز على طرق المنافسات الربحية، فالمريض دائماً على حق.
إضافة إلى أهمية إعادة الهيكلة الفنية والإدارية في تلك المؤسسات، وبما يضمن عدم التكرار والازدواجية، وأن يكون الدعم بالتوازي بين القطاع الحكومي والخاص، بحيث تتاح الفرصة أمام القطاع الطبي الخاص لإعداد هيكلية وبنية طبية متكاملة، وقادرة على توفير الخدمة والرعاية الصحية التي يطمح إليها، ضمن حدود قدراته وإمكاناته.
كما يجب أن تتولى المؤسسات الطبية الحكومية مهمة تطوير خدمات طب المجتمع، كونها أيضاً من الأولويات الوطنية، لما تتطلبه من إجراء بحوث علمية طبية ودراسات تتعلق بالبيئة المحلية والأمراض المنتشرة فيها، وضرورة العمل على مكافحتها والوقاية منها، إضافة لتقديم اللقاحات الوقائية، كونها متطلبات وقاية صحية وطنية.
وفي الوقت نفسه يجب أن يتاح المجال أيضاً أمام مشافي القطاع الخاص، للعمل على تطوير قدراتها وآليات عملها التي تحقق تقديم أفضل الخدمات الصحية، وذلك من خلال تطوير المنشآت ومرافق الخدمات الصحية، وفق المعايير العالمية، وتوفير الكوادر الطبية المؤهلة، حتى يتسنى لتلك المؤسسات أن تمارس دورها الحيوي والمهم في تقديم الرعاية والخدمات الصحية النوعية والحديثة.
والتي تتماشى ونظم المؤسسات العالمية المتطورة، سيما وأن عالم الخدمات الطبية بات يشهد نموا وتطورا متسارعا في كافة جوانبه، سواء من خلال الكوادر الطبية الوطنية المؤهلة والمتخصصة، حيث بات التخصص الطبي الدقيق وتجهيز الكادر الطبي المواطن على أعلى المستويات العالمية، مطلبا وطنياً ملحا وواحداً من مهام المشافي والمؤسسات الصحية الحكومية، التي يجب عليها أن تسعى وتعمل على رعاية الكوادر الطبية، وفتح آفاق التطور أمامها، وعلى المشافي الحكومية إيلاء هذ الجانب قدرا كبيرا من الاهتمام كواحد من المهام الملقاة على عاتقها.
وكذلك يجب العمل على توفير التقنيات والأجهزة الطبية الحديثة، التي تساعد بدورها الأخصائيين على تحقيق وإنجاز كشوفاتهم الطبية، ووضع خطط العلاج. إضافة لذلك، هناك التطور الكبير في طرق العلاج، سواء منها الدوائية أو الجراحية، وحتى طرق الوقاية من الأمراض، كونها أهم خطوات التصدي للمشاكل الصحية والأمراض التي باتت تداهم الدول والمجتمعات، وبالتالي لا بد من تضافر كل الجهود والإمكانات، لتوفير المرافق الصحية المؤهلة، ومواكبة البحوث العلمية الطبية الحديثة، في بوتقة وطنية واحدة، يعمل عليها بالدرجة الأولى الطبيب المواطن.