«عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان»، هذا ما قاله ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني بعد أحداث الشغب في لندن مؤخراً، بل سمح للشرطة باستخدام الرصاص لقمع المتظاهرين الذين يقومون بأعمال شغب وتخريب للمنشآت، وباعتقالات واسعة للمخربين، قائلاً إن «حججاً مزيفة تتعلق بحقوق الإنسان لن تمنع الشرطة من توقيف المشتبه بهم. ولن نسمح بانتشار ثقافة الخوف في شوارعنا».

وهذا يعني أنه لا شيء فوق الأمن القومي وفوق سيادة القانون في بريطانيا العظمى «أم الديمقراطية».

وفي فرنسا، بلد الثورة والعلمانية وحقوق الإنسان، وصف نيكولا ساركوزي «ثورة الجياع» في ضواحي باريس حينها بأنها ثورة مجرمين وعابثين وفوضويين ومدمنين، وواجهها بكل قوة متجاهلاً وثيقة حقوق الإنسان الفرنسية، قائلاً في تصريح: «إنهم مجموعة من الأوباش والحثالة والسوقة».

وفي أميركا حامية حمى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لم تتردد الشرطة في «وول ستريت» بنيويورك في سحل وضرب المعتصمين وانتهاك حقوق الإنسان رفضاً لتجاوز المعتصمين والمتظاهرين للقانون باحتلال الشوارع، بل وأزالت خيم المعتصمين وسحلت المقاومين لها، واعتقلت 700 متظاهر في ساعات، رغم أنهم لم يمارسوا عنفاً ولم يحرقوا منشأة عامة.

وفي أي وطن آخر فإن الأمن الوطني يعلو ويتقدم على أي شيء آخر باسم الثورة أو باسم حقوق الإنسان، لأن سلامة وأمن الوطن هما اللذان يحميان حقوق وأمن المواطن، فلا حرية لمواطن من دون حرية وطن، ولا كرامة لمواطن بلا كرامة وطن. لذا يبقى أهم جوهر للحرية السياسية هو حرية التعبير في ظل سيادة القانون.

وأهم جوهر للديمقراطية هو إعلاء إرادة الشعب فوق كل إرادات السلطات والأحزاب والأفراد، ليكون الخيار في النهاية هو خيار الشعب، لا هوى فرد أو جماعة أو حزب، سواء اختياره لحكامه أو نوابه أو دستوره ومؤسساته، حتى لا يصدر قرار وطني إلا وفقاً لإرادته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

وحماية للحرية السياسية وللعمل الثوري من الشطط أو الانحراف عن أهداف الشعب، فإن أهم الضمانات هي المسؤولية الوطنية وسيادة القانون، بحرية التعبير عن المطالب الشعبية بعقلانية ومشروعية، وليس بلا ديمقراطية ولا مشروعية، لأن مسؤولية التغيير الاجتماعي السلمي لا تتم إلا بسيادة القانون، حتى لا تكون مجرد فورة هوجاء خارج القانون تعبيراً عن الغضب عما هو غير مقبول بأسلوب غير معقول .

ولا مقبول. فالثورة حينما تعني الحرية السياسية فإنها لا تعني الفوضى الإعلامية أو الأمنية، بالتشكيك والتهويل والإرهاب الفكري ومحاولة التخويف بالعنف اللا ثوري، لأن الثورة في الأساس هي علم تغيير المجتمع باتجاه ما يريده الشعب، وليس بفوضى الإحراق والتدمير وفق ما يريده فرد أو حركة أو حزب.

ولأن الثورة عملية تحرير للشعب لا تدمير للمجتمع والدولة والوطن، وإسقاط النظام الظالم القديم إنما هو لبناء النظام العادل الجديد بديمقراطية سياسية واقتصادية واجتماعية، وليس لإسقاط مؤسسات الدولة أو تهديد أمن الوطن بديكتاتورية الأقلية في الأحزاب أو الدواوين أو في الشوارع والميادين في غياب سيادة القانون.

لهذا، فإن أمن وحرية وكرامة الوطن، وأمن وحرية وكرامة المواطن هي الأهداف الأساسية لأي ثورة حقيقية، فليس من المعقول ولا المقبول أن تسعى ثورة أو ثوار لتحرير إرادة الإنسان بتدمير بنيان الأوطان، وطن الحرية والديمقراطية الذي يتسع للشعب بكل أطيافه ويدفع قواه بالحرية للتنمية وللعدالة وللاستقلال الوطني، وطن فاعل بدوره الرئيسي في محيطه العربي والإسلامي والدولي.

ومصر العربية بوزنها الاستراتيجي وحجمها الديموغرافي هي حجر الزاوية في البناء العربي، وبموقعها وواقعها في قلب الوطن العربي والأمة الإسلامية، بل في قلب العالم، وبتاريخها وبجغرافيتها، تقف في قلب معادلة الأمن القومي العربي وموازين الصراع العربي الصهيوني بحدودها الممتدة مع فلسطين المحتلة وقطاع غزة المحاصر، مثلما تقف في مركز الدوائر المتقاطعة والاستراتيجيات المتنافسة في السباق الدولي للهيمنة على الشرق الأوسط الجديد الصهيوني أو الكبير الأميركي.

ولأن هذا الواقع والموقع، وهذا المكان وتلك المكانة، لم تكن خياراً مصرياً صرفاً، وإنما كانت قدراً ووجوداً وحياة، بقيت مصر مستهدفة عبر التاريخ كلما استهدف الغزاة المستعمرون في الماضي السيطرة على الشرق، وبقيت وستبقى مصر «في رباط إلى يوم القيامة»؛ تصد عن أمتها هجمات الطامعين، وترد عن نفسها كيد المعتدين.

وبقي شعبها نبعاً لجيشها وجيشها درعاً لشعبها وبقى جندها خير أجناد الأرض، لتبقى مصر دوما آمنة بشعبها عالية الجدران بجيشها في وجه أعدائها، ومفتوحة الأبواب لأشقائها قائلة لهم «ادخلوها بسلام آمنين».

ولا نستطيع تجاهل أن الأمة الإسلامية والوطن العربي اللذين يشكلان محيط ما يسمي «الشرق الأوسط الكبير «بمشروع بوش الأميركي، وما يعرف بــ«الشرق الأوسط الجديد» بمشروع بيريز الصهيوني، يواجهان هجمة غربية عبرية شرسة تستهدف إعادة التقسيم وإعادة السيطرة بآلية جديدة هي «الغزو من الداخل»،.

وبأدوات جديدة هي إشعال الخلافات البينية الوطنية والعربية والإسلامية، واستثمار المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لإسقاط الأنظمة، وبصناعة الفتن السياسية والدينية والمذهبية والعرقية لتفكيك الدول.

كما لا نستطيع التغافل عن إدراك أن العاصفة الشمالية الغربية الهوجاء التي تجتاح الوطن العربي دولة دولة على التوالي طبقاً للمشروع الشرق الأوسطي الصهيو أميركي، بداية بغزو العراق ومروراً بتقسيم السودان، والتي تهدد الآن أبواب صنعاء وتلبد أجواء دمشق منذ شهر مارس الماضي، ليست إلا نتيجة لحالة الفراغ في الفضاء العربي، خصوصاً بتغييب مصر عن أشقائها، أو بإشغالها بمؤامرات وانقسامات وفتن على أرضها، الأمر الذي يسمح للرياح العاصفة بالاختراق.

لذا من المهم دعم أمن واقتصاد مصر، ودعم الأمن الوطني المصري هو دعم للأمن القومي العربي والإقليمي، لأن قوة مصر قوة للعرب والمسلمين، وضعف مصر يفتح الباب الواسع لاجتياح العرب والمسلمين.