مؤتمرات كثيرة وندوات عديدة تعقد وتثار فيها قضية الحفاظ على الثقافة المحلية وعلى التراث المرتبطين بالهوية الوطنية. وتنفض تلك المؤتمرات ونعود إلى سابق عهدنا وإلى حياتنا اليومية المليئة بالتناقضات والشد والجذب بين الأصالة والمعاصرة.

أسئلة كثيرة تدور في أذهاننا وتدعونا للتساؤل، لماذا يجب المحافظة على ثقافتنا المحلية وتراثنا وماهية ذلك التراث ومدى حرصنا وجديتنا في الحفاظ عليه، وغيرها من الأسئلة التي تدور في أذهاننا نتيجة لذلك الصراع الحضاري الذي بتنا نعيش فيه.

الثقافة المحلية المتوارثة أو التراث هو كل ما تركه لنا الآباء والأجداد من إرث مادي ومعنوي. وهو مصطلح يضم العادات والتقاليد والقيم الثقافية والروحية.

لماذا يجب المحافظة على هذا الإرث؟ أهمية التراث تكمن في أنه لا يشكل فقط جزءاً مهماً من ماضينا ولا أرضية صلبة لحاضرنا، ولكن لأنه يرسم لنا خارطة طريق ومنهاج عمل يضيء لنا طريق مستقبلنا ومؤشر يقول لنا من نحن وماذا سوف نكون عليه مستقبلاً.

البعض يقول إن هذه التحليلات هي تنظير لأكاديميين ومنظرين يعيشون في أبراج عاجية: فنحن من صنع هذه المدنية الحديثة، ولكن السؤال الأهم هو، ما هي الخلفية التي نقف عليها؟ وإذا كانت تلك الخلفية صلبة الآن فما الذي يضمن لنا استمرارها كذلك؟ وإذا ما كنا مسلحين بهوية معينة ورثناها عن الآباء، فما الذي سوف يحمي الأبناء والأحفاد؟ إذاً فالتراث قضية محورية ليس فقط في بناء هويتنا المستقبلية ولكن في معركة وجودنا بالكامل.

فلا يمكن للتراث أن يحفظ دون النظر إليه باعتباره مكوناً مهماً من مكونات شخصيتنا المستقبلية، ولا يمكن لجهود الحفاظ على التراث أن تنجح دون الاقتناع التام بأن للماضي تأثيراً مهماً على المستقبل وعلى رسم استراتيجياتنا المستقبلية وبأنه سراج يضيء لنا الطريق الذي سوف نسلكه مستقبلاً. إذاً فالأسباب التي تدعونا إلى الحفاظ على التراث كثيرة ومتعددة.

جهود الحفاظ على الثقافة المحلية والتراث كثيرة منها ما هو فردي ومنها ما هو رسمي. وهناك بالطبع فرق بين جهود التوثيق التاريخي وتوثيق التراث، حيث يتداخل المفهومان مع بضعهما البعض في أذهان الكثيرين.

فجهود الحفاظ على التاريخ كانت ناجحة، حيث تم إصدار العديد من الدراسات التاريخية التي توثق لحقب مختلفة، ولكن جهود الحفاظ على التراث هي الأصعب لأن بعضاً من هذا التراث لم يوثق بعد ونتيجة لتعرضه للاندثار، إما بوفاة الأشخاص المعمرين، وإما نتيجة أن بعضاً من تراثنا قد طمس عن عمد لأننا لم نشأ أن نحافظ عليه نتيجة لعوامل عدة بعضها حضاري والآخر اجتماعي.

من ناحية أخرى فمن أجل الحفاظ على موروثنا الثقافي الجيد حياً ونشطاً لا بد من أن نصل إلى اقتناع تام أنه تراث غير جامد قابل للتطويع والتغيير ليلائم العصر والزمان الذي نعيش فيه. بهذا تنجح جهود الحفاظ على التراث.

وفي الواقع هناك عوامل رئيسة عدة تؤثر على نظرتنا للتراث وبالتالي تؤثر في كل جهد يبذل في سبيل المحافظة عليه واعتباره مكوناً ثقافياً مهماً. هذه العوامل الأربعة هي: التعليم، الدين، القيم الروحية، واللغة والتفسير اللغوي.

فنسبة ومستوى التعليم يؤثر كثيراً على جهود الحفاظ على التراث. فكلما ارتفع مستوى تعليم الفرد كلما حاز الماضي وكل ما يتعلق به على أهمية كبرى وتقدير لدى الشخص ورغبة في المحافظة على كل ما هو قديم. فالتعليم يلعب دوراً مهماً في إثراء ذائقة الشخص وتقديره لقيمة تراثه الماضوي الجيد وضرورة المحافظة عليه.

التفسير اللغوي يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على التراث حيث يؤثر هذا العامل في نظرتنا للتراث وفي تفسير ماهية التراث. فليس كل ما أتانا من الماضي يعد تراثاً يمكن أن نفسره بأنه تراث جدير بالمحافظة عليه وتمريره من جيل لآخر.

من ناحية أخرى يلعب الدين والتفسير الديني دوراً مؤثراً. فنحن ننظر إلى التراث ونحافظ على ما هو مناسب طبقاً لما يأمر به الدين وما يتناسب مع قيم العصر الذي نعيشه ونحاول أن نطمس من ذلك التراث ما يتعارض مع القيم الدينية لعصرنا.

وأخيراً تلعب القيم الروحية دوراً رئيسياً. فالقيم التي تتناسب مع قيم العصر ولا تتعارض مع القيم التي نعتنقها الآن تبقى وغيرها يندثر. هذه القضايا الأربع تؤثر على نظرتنا للتراث وبالتالي تلعب دوراً محورياً في جهودنا للمحافظة على ذلك التراث. فكل جهد يبذل لا يأخذ في الاعتبار هذه المكونات الأربعة لا يعتبر جهداً صحيحاً.

ولكن ما هي الخطوات العملية التي يجب أن نتخذها سواء على المستوى الرسمي أو الفردي للحفاظ على الثقافة المحلية.

تضمين التراث في مناهج التعليم وتدريسه باللغة العربية وتضمين التراث في الرسالة الإعلامية (كرتون الأطفال، برامج تراثية يقدمها مختصون، حلقات تراثية لشرح تراث وثقافة الإمارات، حلقات توعية في وسائل الإعلام الأجنبية الخاصة عن ثقافة وتراث الإمارات، المحافظة على الرموز التراثية القديمة وإعادة إحياء ما اندثر في المعمار من مدارس وبيوت سكنية ومجالس وحتى أحياء والمحافظة على المسميات القديمة).

 إن الثقافة المحلية هي روح الأمة ومتى ما اندثرت تلك الثقافة غابت الروح وبقي الجسد.