من يعتقد جدياً أن الاحتجاجات في البحرين هي مجرد مظهر آخر من مظاهر ما يُسمّى خطأً "الربيع العربي" (أشخاص عاديون يطالبون سلمياً بإصلاحات سياسية)، إما مسيَّر أيديولوجياً أو مضلّل جداً، وإما خدعته الدعاية المضللة. يدرك البحرينيون المتمسّكون بوطنيتهم، أنهم من الأوفر حظاً على وجه الأرض، لأنهم مواطنون في هذه الجزيرة التي أنعم الله عليها، وتتمتّع بواحد من الاقتصادات الأكثر ليبرالية وتنوّعاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بلغ الدخل الفردي لسكّان البحرين، الذين لا يتجاوز عددهم المليون نسمة (من دون الوافدين)، نحو 30 ألف دولار أميركي عام 2013، محتلاً بذلك المرتبة 49 عالمياً. وفضلاً عن ذلك، كلفة المعيشة هي الأدنى بين دول مجلس التعاون الخليجي. لطالما احترمت المنامة حقوق الإنسان، وقد نالت الحكومة البحرينية الشهر الماضي تهنئة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على الجهود التي تبذلها لتعزيز مكانة المرأة البحرينية. والفضل في ذلك لا يعود بالطبع إلى حزب "الوفاق" المعارض، الذي تبنّى عام 2004 فتوى بحرمان النساء من حقوقهن القانونية والمدنية والعائلية.
لكن المتظاهرين - أو بالأحرى المشاغبين - وبدلاً من أن يحمدوا ربهم على هذه النعم، يعمدون إلى تشويه الطابع السلمي لهذه الدولة الخليجية، ويعطّلون تقدّمها الاقتصادي طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة. وقد تحوّل ما يُعرَف بـ "ائتلاف 14 فبراير" الذي شكّله طلاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي عام 2011، إلى تنظيم متشدّد يدعو للثورة المسلّحة، ويُقرّ بفخر واعتزاز بتورّطه في تفجيرات إرهابية.
مؤخراً، انفجرت عبوة ناسفة غرب العاصمة البحرينية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة عناصر من الشرطة، بينهم إماراتي، وإصابة طفل بجروح. وقد حمّل نائب رئيس الشرطة والأمن العام في إمارة دبي، الفريق ضاحي خلفان تميم، إيران وعميلها اللبناني "حزب الله"، مسؤولية الاعتداء. فقد غرّد عبر تويتر: "المشتبه به الذي وضع العبوة، سبق أن زار لبنان ودرّبه حزب الله على تنفيذ تفجيرات". وقد سارعت البحرين أيضاً إلى إلقاء اللوم صراحةً على إيران.
يفتعل الفوضويون التوتّر لأسباب واهية، لأنه ليست هناك مشاكل جوهرية كي يشتكوا منها، مثل مستوى المعيشة أو الفرص أو حرية التعبير. إنهم يلفّقون حججاً وأعذاراً لا أساس لها من الصحة، خدمة لهدف أكبر، خطّط له في طهران، التي لطالما سعت لوضع يدها على أراضٍ بحرينية، وتعمل على توسيع ما يُعرَف بالمثلّث الشيعي الذي يمتد من العراق إلى سوريا، وصولاً إلى اليمن جنوباً.
تعمد إيران إلى تلقين العقيدة لعناصر ينتمون إليها في البحرين، وتمويلهم بهدف تأجيج الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية. بثّت شبكات التلفزة الإيرانية، بما فيها القناة الإيرانية الناطقة بالإنجليزية "برس تي في"، تقارير ترويجية منحازة، تسيء إلى سمعة السلطات البحرينية، فيما تصوّر المتظاهرين بأنهم أبرياء فقراء ومظلومون.
لسوء الحظ، مع أنه ليس أمراً مفاجئاً، وقع أقصى اليسار في الولايات المتحدة وأوروبا في فخ الخداع بخطى سريعة، في حين انضمّت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية - التي أشكّ في أن بعضها هو مجرّد واجهات لحكومات معادية - إلى جوقة الشتّامين الذين يكيلون الانتقادات للبحرين. ليس من مكان أنسب من سلّة المهملات لتُلقى فيه اتهاماتهم الباطلة. فلا البحرين ولا حلفاؤها في الخليج مستعدّون للإصغاء إلى "النصائح" التي يسديها غوغائيون في العواصم الأجنبية، يتظاهرون بأنهم أصحاب نوايا حسنة، عندما يكون أمنهم القومي مهدّداً.
وقد نجحت تلك الجوقة في استقطاب أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون وتحويله ناطقاً باسمها، فهو يُبدي قلقاً إزاء التقارير التي تتحدّث عن وقوع صدامات، وقد ناشد السلطات البحرينية التحرّك واتخاذ إجراءات صارمة تنسجم مع الأحكام الدولية في مجال حقوق الإنسان. لكن ماذا عن حقوق الإنسان لهؤلاء البحرينيين الذين لا يزالون متمسّكين بوطنيتهم، والذين ضاقوا ذرعاً بتلك الاضطرابات التي تعطّل حياتهم اليومية، والذين يطمحون إلى رفع البنيان لا إلى تدميره؟
في العاشر من مارس الجاري، وجّه أشخاص ينصّبون أنفسهم "خبراء"، رسالة إلى الرئيس أوباما، يناشدونه فيها ممارسة ضغوط على العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، لـ "إقناع" البحرين بـ "عدم اتهام الأشخاص أو اعتقالهم على خلفية ممارستهم حقهم في حرية التعبير"...
و"تهيئة الظروف المؤاتية للحوار" مع المعارضة. لم تأتِ الرسالة على ذكر المعركة التي تخوضها البحرين ضد الإرهاب، واقع الحال أنها مجرد محاولة سطحية تهدف إلى ليّ ذراع الحكومة البحرينية كي تُذعن للابتزاز.
ومن هم أولئك "الخبراء"؟ إنهم يمثّلون مراكز الأبحاث نفسها التي كانت وراء تأجيج الاضطرابات المدنية في يوغسلافيا السابقة وأوكرانيا. والمقصود بذلك "فريدوم هاوس" و"مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" و"معهد بروكنغز" و"معهد المبادرة الأميركي".. إلخ.
آمل حقاً أن يُسمِع الملك عبد الله الرئيس أوباما الكلام الذي يستحقّه، في حال تجرّأ على انتقاد المنامة. لقد تنازل الرئيس الأميركي عن حقّه في التدخّل في الشؤون العربية عندما أخلّ بتعهّده بإنهاء النزاع السوري، وعاقب مصر على تخلّصها من حكومة "الإخوان المسلمين"، وبدأ يتملّق لإيران.
كنت في مرحلة سابقة المعجب الأول بأوباما، لكنني لم أعد كذلك! لقد خُدعنا عندما صدّقنا أنه يعني فعلاً ما يقول، حين مدّ يده إلى العالم العربي في مطلع ولايته الرئاسية الأولى. تراودني شكوك قوية بأنه يخبّئ أجندة سرّية، يسعى من خلالها إلى عقد صفقة كبرى مع الأئمة الإيرانيين.
من المفيد في هذا الإطار، التوقّف عند مقال بقلم عبد الرحمن الراشد في صحيفة "الشرق الأوسط"، تحت عنوان "أوباما ورأيه في السنّة والشيعة". يسلّط الكاتب الضوء على المواقف التي عبّر عنها أوباما لمجلة "أتلانتيك"، والتي دافع فيها عن قراره الشروع في المفاوضات مع إيران، وحضّ المنطقة على التعايش. وعندما سئل "من يراه أكثر خطراً، التطرّف السنّي أم الشيعي؟"،
فضّل الجانب الشيعي، مادحاً سلوك إيران بأنه ينطلق من دوافع استراتيجية، ويستند بالتالي إلى حسابات الربح والخسارة. وتابع مثنياً على إيران، التي اعتبر أنها دولة كبرى، وترى نفسها لاعباً رئيساً على مستوى العالم، مضيفاً أنها لا تحمل رغبة الانتحار. يجب أن يدقّ كلامه هذا ناقوس الخطر في جميع بلدان مجلس التعاون الخليجي.
يجيب الراشد في كلام محق "سيدي الرئيس، متطرّفو الشيعة هم تماماً مثل متطرّفي السنّة، دعني أشرح لك الفارق، إن المتطرفين الشيعة هم في سدة الحكم، أي نظام خامنئي في طهران، وحزب الله في بيروت. أما متطرفو السنّة فهم في المعارضة، مثل "القاعدة"، منبوذون يعيشون في الكهوف".
لقد طفح الكيل! على البحرين أن تفعل كل ما بوسعها لاستئصال هذا الوباء من الخليج، قبل أن تنتقل العدوى إلى جيرانها. ينبغي على صاحب الجلالة، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أن يعمل مع نظرائه قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لوضع حد نهائي لهذا الانحطاط. وفي الوقت الذي يتدفّق فيه الأشخاص من مختلف أنحاء العالم للعمل والتقاعد في الخليج، لأنهم يدركون تماماً أننا نقدّم لهم ما يعجز معظم البلدان الأخرى عن توفيره، على الشيعة في البحرين، الذين يرفضون طريقة عيشنا وأسلوبنا في الحكم، أن يعيدوا النظر قبل أن يجدوا أنفسهم في عزلة أكبر.