العدو في الفكر السياسي الميكافيلي ضرورة. فوجود عدو يعطي مبررات للسلطة السياسية استخدام نفوذها بشكل أوسع وكسب انتماء الناس بحكم التخويف من العدو. وهذا العدو يأخذ أشكالاً مختلفة، فقد يكون دولة أو تعزيز الصراع الطائفي الداخلي وغيرها من الأساليب التي تجعل الدفة السياسية والإعلامية موجهة للوقوف ضد هذا العدو.

ووجود العدو وسيلة لإلهاء الشعوب واشغالها ولذلك يتم ايجاد العدو حتى لو لم يكن كعدو وهمي فالمهم هو تحفيز الماكينة الإعلامية والفعاليات والمؤسسات المهمة للدولة في هذه العجلة.

ومن يشاهد التأجيج الطائفي في المنطقة يدرك كيفية استخدام الطائفية بأسلوب سياسي انتهازي يفتح الباب لصراعات لا تنتهي واحتقان سياسي وشعبي مزمن.

وتاريخياً في المنطقة كان العدو الجاهز هو إسرائيل، وبالتالي كان الساسة يجدون في هذا العدو وسيلة مهمة لترديد الموشحات المتكررة، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وأن المرحلة الحرجة تتطلب تضافر جميع الجهود والقدرات من اجل المعركة الكبرى مع العدو. وعند الحديث عن أي شأن داخلي كان الرد الجاهر أن الوقت غير مناسب فنحن في معركة مصيرية مع العدو الإسرائيلي وأي محاولة تشتيت القوي هو تأمر مع العدو بهدف تفتيت الجبهة الداخلية.

وهكذا ساعدت اسرائيل على بقاء انظمة ديكتاتورية بحجة العدو الذي يتربص بنا عند أي لحظة تغيير أو تطوير.

ولكن حجة العدو الإسرائيلي لم تعد مقنعه، خاصة ان بعض الدول اقامت علاقات معها، وأخرى حافظت على أمن اسرائيل عشرات السنين على حدودها ولم تطلق رصاصة واحدة. وتاه الفرد العربي كيف هذا العدو الذي بقينا كل هذه السنين اصبح صديقاً لنا وتغير الحال إلى حال جديد. فكان من الضرورة للسياسي أن يوجد عدواً جديداً مقنعاً.

فوجد البعض أن الطائفية سلاح مؤثر نظراً لامتزاجه بعاطفة الدين وهذا يكسب القضية زخماً وتفاعلاً اكبر. وتعدد الأعداء، فكل دولة تصنف عدواً بما يتماشى مع خطابها السياسي وتكيف ماكينتها الإعلامية وفق هذا التوجه.

والشعوب تنطلق حسب الخط السياسي، فوسائل التأثير من خلال المنظومة الإعلامية والخطاب السياسي يجعل العدو مرعباً حتى لو كان وهمياً.

وقضية وجود العدو ليست محصورة في الدول العربية فقط بل حتى دولياً، فالولايات المتحدة كانت تضع الاتحاد السوفييتي في صورة العدو، وكانت حقبة المكارثية في التاريخ الأميركي المعاصر مثالاً لكيفية تصوير العدو، وهي المكارثية التي جعلت كل مواطن أميركي محل شك أن لديه انتماء للشيوعية.

وقضية ايجاد العدو في صورة تخطيط سياسي تعود الى وليو شتراوس المؤسس لحركة المحافظين الجدد في أميركا.

الذي كان يرى ان مشاكل المجتمع الأميركي بسبب المذهب الفردي الذي يحابي الفرد على حساب المجتمع.

ومن هذا المنطلق رأى أنه في سبيل ايجاد تماسك في المجتمع الأميركي لابد من وجود عدو ليوحد الأمة الأميركية. وبالتالي كان المناسب وقتها أن يتم تصوير الاتحاد السوفييتي على انه يمثل الشر وأن أميركا هي القيم والأخلاق. وبالتالي هي حرب بين الخير والشر. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي كان لابد من وجود العدو الذي يمثل الشر.

ولذلك لم يكن غريباً حينما اطلق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن مصطلح محور الشر.

وكان يقصد به العراق وإيران وكوريا الشمالية. ويظل صراع العدو قائماً في الفكر الاستراتيجي السياسي الذي يستخدم الوسيلة ليبرر للغاية.

وتعكسها فلسفة هيغل في أن الحرب مع العدو تحمي المجتمع من الانهيار الداخلي ويفتقد الشعب لمبرر يعطي التضحيات من اجله. ويوضحها بصورة اكبر الداهية الأميركي المحنك ووزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر في أن غياب تهديد للولايات المتحدة يجعلها تفتقد الاتجاه الذي تسلكه.

والواقع العربي يجسد قضية العدو الوهمي بصورة أوضح ولكن الفرق أنه في الغرب صورة العدو تهدف الى المساعدة في ايجاد عمق وطني ويتم توظيفه سياسياً، بينما في العالم العربي بهدف تثبيت أنظمة الحكم، وخلق قضايا وهمية تشغل الشعب عن مناقشة القضايا المهمة. فانتشار قضايا التصنيفات بين أفراد المجتمع الواحد. أو ترسيخ المناطقية وتعزيز التباينات بينها كلها وسائل سياسية تلهي الناس عن القضايا التي ترتبط بحياتهم ومستقبلهم.

وجود العدو الوهمي خطورته أنه ينقلب الى عدو حقيقي ولكنه عدو يدمر الشعوب نفسها. فالحروب الطائفية الحمقاء التي تفرز صديدها في مناطق مختلفة من العالم العربي، هو انفلات لمعيار العدو الوهمي الذي توهم السياسي أن سيبقيه تحت السيطرة. أي أن السحر انقلب على الساحر. وهذا الذي يجعل السيناريو المقبل في المنطقة مقلقاً. فالقضايا المهمة والتي يفترض أن تهم الحكومات والناس هو البطالة ومكافحة الفقر والفساد.

وتأمين العيش والسكن المناسب للناس.

العدو الحقيقي لأي دولة هو عدم القدرة على خلق تنمية حقيقية للشعب تنعكس على حياتهم ودخولاتهم وخدماتهم. عدا ذلك فالحديث عن الطائفية أو التصنيفات للأفراد أو الدخول في رهانات خارجية هو تفريط في مقدرات الدول وتضييع لحقوق ومكتسبات الشعوب.