لولا الانقسام العربي لأسباب سياسية ومصلحية، ولولا التنازع الإقليمي لأسباب مذهبية وعرقية، لما انكشف ظهر الأمن القومي العربي وتعرض للعدوان من جانب، بما هدد الأمن الإقليمي والإسلامي وفتح الباب للتدخلات الأجنبية من جانب آخر، لكي تشتعل الفتن المذهبية والعرقية ولتكريس الانقسام بين العرب وبعضهم وبين المسلمين وبعضهم، بما يخدم الأهداف الخبيثة للمشروع الصهيوأميركي الشرق أوسطي.

ولولا الانقسام العربي ما أمكن للقوى الاستعمارية المعادية تنفيذ كل ما جرى من مؤامرات عدوانية وفتنوية وتقسيمية بأدواتها الإرهابية والفوضوية تحت دعاوي جهادية دينية ومذهبية، أو تحت شعارات ثوروية ديمقراطية أو ليبرالية ضد الدول العربية التي شكلت في مراحل الصراع العربي- الصهيوني حول فلسطين ما سمي دول المجابهة، التي خاضت جيوشها الحروب وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء دفاعاً عن الأمة.

ولولا استدراج الجميع لتحويل الصراع العربي- الصهيوني إلى صراع فلسطيني- صهيوني، ثم إلى انقسام فلسطيني بين مشروع وطني قومي ومشروع ديني حزبي، لكان ممكناً للعدو الصهيوني المدعوم بشراكة استراتيجية مع أميركا وحلف الناتو، أن يواصل احتلاله فلسطين وأراضي عربية سورية ولبنانية.

ولا أن يواصل عدوانه الحربي المتكرر على الأراضي العربية الفلسطينية واللبنانية والسورية لضرب كل مقاومة عربية تهدد استمرار احتلاله أو مواصلة عدوانه، مثل ما نشهده حالياً من عدوان همجي على الشعب العربي الفلسطيني في غزة.

العدوان الصهيوني ينبغي وقفه أولاً وفق المبادرة المصرية بدعم عربي وإقليمي من دون مزايدات ولا مكايدات، وإن النزيف الدموي العربي ينبغي أن يتوقف، والخلافات السياسية والطائفية والعرقية في الدول العربية ينبغي أن تتوارى في مواجهة العدوان الخارجي على الوطن والأمة، والخلافات العرقية والمذهبية لا بد أن تذوب في مواجهة العدوان.

وبالتالي فإن الأصوات المنددة التي ارتفعت في الوطن العربي والأمة الإسلامية، رفضا للعدوان الصهيوني كانت واضحة في تعبيرها عن الشعور الجمعي، ومحذرة من الخلاف على ضرورة التوحد لمواجهته، أياً كانت خلافاتنا الحزبية والسياسية والمذهبية داخل الوطن الواحد، فإنها ليست مبرراً لأحد أن يصمت عن أي عدوان على جزء من الوطن العربي، أو أي عدوان على أي بلد إسلامي، طبقا للقيم الوطنية وللثوابت العربية وللمبادئ الإسلامية.

ولهذا، يخطئ من يظن أن الصراع العربي- الصهيونى قد تحول فعلاً إلى صراع فلسطيني- إسرائيلي لم يعد العرب طرفا فيه، أو أن السلام قد حل بعد معاهدات ما يسمى السلام بين بعض الحكومات العربية والحكومة الصهيونية.

فلا سلام يمكن أن يقوم في المنطقة مع استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وبدون الحل العادل للقضية بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ومع استمرار الدور الوظيفي لإسرائيل قاعدة أميركية للعدوان الدائم على فلسطين وسوريا ولبنان وتدخلاتها السرية والعلنية في مصر والسودان والعراق وليبيا، وللتهديد المستمر للأمن القومي العربي.

ولأن ما يجري في فلسطين أو في سوريا أو في العراق يرتبط بما جرى ويجري في مصر أو في ليبيا أو في السودان حيث المؤامرة الاستعمارية الجديدة واحدة وإن جرت حروبها على جبهات متعددة، فلسوف يستمر الصراع العربي الصهيوني وتتباعد آفاق السلام في المنطقة أكثر.

رغم كل المعاهدات وتحت كل المسميات، وسوف تستمر المقاومة الوطنية الفلسطينية والعربية المشروعة للاحتلال حتى عودة الحقوق وتحقيق الاستقلال، فلا سلام حقيقي يمكن قيامه طالما بقيت إسرائيل كقاعدة استعمارية لتهديد أمن كل العرب.

وطالما استمر رفض الحلف الصهيوأميركي الحل العادل للقضية بإنهاء الاحتلال بحل الدولتين أو بحل الدولة الواحدة للشعبين، وبرفض وقف الاستيطان في الأراضي المحتلة، ومواصلة الجرائم العدوانية ضد الإنسانية بارتكاب المجازر اليومية ضد الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين الأبرياء، وبفرض الحصار لتجويع الشعب العربي الفلسطيني في غزة، ومواصلة العدوان اليومي على الأراضي الفلسطينية والعربية. و

فى ظل استمرار الصراع فمن الطبيعي بصورة رئيسة وضع وتفعيل استراتيجية عامة للأمن القومي العربي تقوم على إدراك من هو العدو الحقيقي لكل العرب، وعلى إدراك الترابط الوثيق بين الأمن الوطني والأمن القومي، وبأن العدوان على دولة عربية هو عدوان على كل الوطن العربي، وأن المؤامرة الاستعمارية على العرب والمسلمين واحدة، وينبغي التصدي الجماعي لها باستراتيجية واحدة، حماية للأمن القومي العربي وللأمن الإقليمي الإسلامي.