الإعلام هو النافذة التي يطل منها الفرد على ما يحيط به من أحداث، كما أنه الوسيلة التي يعتمد عليها عندما تشتد الأزمات وتتزايد وتيرة الصراع باحثاً عن تفسير وتحليل يخرجه من ضغط التساؤلات، هنا يجب أن تكون قدرة الإعلام على الحركة فاعلة بشكل يفوق الظرف العادي، لأن الصراع حالة استثنائية..

ومن الصعوبة بمكان أن يتم التعامل معها بإجراءات عادية وإلا كان دون مستوى الحدث وفقد قطاع كبير من جمهوره، وبخاصة أن السرعة التي ينتشر بها الخبر وتعدّد الوسائط الناقلة له جعلت من الترف أن تنتظر الوسيلة ساعات لتمد القارئ بالجديد، وبخاصة أن الكلمة الإعلامية سريعة التلف عندما يسبقك إليها الغير لتضعك في موقف التوضيح والتصحيح والدفاع..

لذا كان على الإعلام عبء الإجابة السريعة على تساؤلات المتابعين وهو الجزء الأهم، وأن يتم ذلك بمهنية وصدق وبخاصة أن مصادر التأكد من المعلومة والوصول إليها تعددت، كما أن إخفاء الحقيقة بات درباً من الخيال. وأهمية الإعلام في زمن الصراعات ليست اكتشافا جديدا، فمن يقلب في صفحات التاريخ يدرك كيف استخدم الإعلام في الحرب العالمية الأولى..

وكيف أنه كان سلاحاً لا يقل في تأثيره عن المدافع والطائرات في الحرب العالمية الثانية، عندما أدرك قادة المعارك أن الحرب ليست فقط التي تدور رحاها على جبهات القتال، إنما هناك ميدان آخر في غاية التأثير وهو الرأي العام وعمليات التعبئة للجبهة الداخلية، لأن سلاح الصمود في المعارك والإيمان بشرعية المعركة وعقيدة القتال أهم من أكثر الأسلحة حداثة. هنا يأتي الدور التوعوي للإعلام وأهميته، ما يعني إمداد الجمهور بالمعلومة التي في غيابها يصبح الرأي العام صيدا سهل المنال للشائعات والأكاذيب..

كما أنه يساهم في صناعة القرار عبر تأطير الصورة أمام السياسي. يقول الأديب الإنجليزي صموئيل هيرام جونسون: لا يمكن للشعب أن يرفع سلاحه إلا إذا زرعت فيه الحماس والإثارة عبر وسائل الإعلام. فإن الصحافيين مازالوا يعملون على تحشيد الرأي للحرب بواسطة إعلاء الحس بخطر وشيك الحدوث، وهو ما يجعل القوات العسكرية حريصة على أن تصاحبها الطواقم الإعلامية، كما يتم إنشاء المراكز الإعلامية الخاصة كما يتم إنشاء مخازن للأسلحة والذخيرة.

الحياد الإعلامي في ظل الصراع أمر من الصعب تحقيقه، كما أنّه غير واقعي وبخاصة إذا كانت أطراف الصراع واضحة، فالإعلام أحد أهم وسائل التعبئة القادرة على التوضيح للرأي العام مشروعية الصراع وأبعاده وهو ما يساعد في توحيد جبهة المعركة، فمن غير المنطقي أن تكون التضحيات كبيرة على الأرض ثم أنظر إليها بعين المتأني المتريث المنظّر والمفكر.

لكن مايعنينا هو المصداقية في نقل الحدث؛ بمعنى أن ما حدث قد حدث، وهنا تحظى الوسيلة باحترام جمهورها. ولأن الكاميرات في زمن الصراع أصبحت تُستهدف قبل الدبابات، والإعلامي يُضرب بذات السلاح الذي يُضرب به الجندي، ولا عجب أنه نراه يرتدي الواقي من الرصاص..

فإنه وجب على المؤسسات الإعلامية الرسمية أن تضع خططاً بديلة عند تعرض مقارها لما يؤثر على قدرتها.

ففي زمان فات كانت هناك محطات سرية يتم تشغيلها في حالة تم ضرب المحطات الرسمية، وفي عصرنا الحالي يجب أن تتم المزاوجة بين إمكانات وسائل الإعلام الرسمية وبين الإعلام الإلكتروني، بحيث تكون وسائل الإعلام الإلكترونية ليست بديلا ولكن مكملا ومساندا للوسائل الرسمية، وبخاصة أن لها جمهورا يعتد بها، والاستفادة من إمكاناتها في الصوت والصورة وسرعة البث.

ولأن طبول الصراعات تقرع على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد قبل أرض المعركة، فإن من الأهمية بمكان أن يستمر هذا الرباط بين الوسيلة والجمهور، كما أن الجندي في المعركة يحتاج كذلك إلى مساندة الإعلام فهي كما تنقل عنه تنقل إليه، ويستمد قوته وترتفع معنوياته عبر نقل نبض الجماهير وتقديرهم لما يقوم به.

وفي تقديري أن الإعلام في زمن الصراع له قدرة كبيرة على استخراج طاقات الشعوب لتنتج فنا وإبداعا يخلد بخلود أحداثها ولتبقى في الذاكرة وتنتقل من جيل إلى جيل، لأنها طاقات تحت ضغط اللحظات الفارقة بين الأمل والرجاء، بين الحياة والموت، بين النصر والهزيمة، فتتفجر طاقات البشر في كل مجال لتخرج مالم يتوقعوه هم عن أنفسهم، لأن الصراع له قوانين وتأثيرات شديدة الخصوصية.

كما أنه في زمن الصراع، حين تتهدد الشعوب الأخطار وتعوق مسيرتهم التحديات، يجب أن يكون للإعلام دور في أن يضع للمجتمع خارطة طريق للخروج من هذا الصراع والوصول به إلى بر الأمان، و حين ترتفع أصوات المدافع ويسيطر منطق القوة يجب أن يتزاوج معها ويرافقها قوة المنطق، وحين يتصاعد دخان المعارك مع غبار الأرض يجب أن يرتفع صوت السياسي، فالمعارك لا تدوم..

وليس هناك صراعات أزلية، ومن الأهمية بمكان أن يكون هناك عمل بناء، وإذا كانت ضربة البداية العسكرية تبدأ من الإعلام كذلك يجب أن تكون نقطة النهاية العسكرية تنتهي عند الإعلام باعتباره الذي يهيئ الأجواء للعمل السياسي، هنا يتعاظم الدور الذي يقوم به الإعلام.

كما أن دور الإعلام لا ينتهي بانتهاء مرحلة من مراحل الصراع، لكنّه يستمر ضمن أدوار أخرى بأدوات أخرى، فالصراع يرتدي أزياء مختلفة، ولكل مرحلة ثوبها وقد يمتد عقوداً عديدة، لذا فإن دور الإعلام مستمر حسب نوع المواجهة، فقد تكون المواجهة عسكرية ميدانها جبهات القتال.

وقد تكون علمية ميدانها المعامل ومراكز البحوث، وقد تكون اقتصادية ميدانها المصانع وعتادها الآلات وجنودها العمال، وقد تكون ثقافية ميدانها الفكر القادر على الصمود. ومثلما أن هناك قوة خشنة للدول فإن هناك القوة الناعمة، والإعلام في كل ذلك هو الحاضر القوي والمؤثر والكاشف. إن التدافع بين الناس سنّة من سنن الله في الكون بأشكاله وألوانه، والإعلام هو إحدى الأدوات الفاعلة والمؤثرة إذا ما كان مؤمناً بقدسية وشرف المعركة التي يخوضها.

 

* عميد كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية

جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا