فجع المجتمع السعودي والإسلامي بتفجير إرهابي في مسجد في القطيف أثناء صلاة الجمعة. مما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من مئة شخص. حادثة إرهابية كبيرة هزت المجتمع السعودي بجميع مكوناته. وهي الحادثة التي تعتبر الأولى من نوعها في السعودية التي تستهدف مسجدا بعملية انتحارية بحزام ناسف. وكان واضحا من أسلوبها انها نفذت بالطريقة الداعشية، لتكشف وزارة الداخلية السعودية في أقل من ٤٢ ساعة عن مسؤولية تنظيم داعش الارهابي عن العملية وعن شخصية منفذ العملية وهو واحد من خلية ارهابية قبض على ٢٦ من عناصرها وللأسف كلهم سعوديون.

الشعب السعودي تذكر على الفور حادثة الدالوة في الاحساء في نوفمبر ٢٠١٤، تلك العملية الارهابية التي استهدفت شق اللحمة الوطنية للمجتمع واستطاع الأمن السعودي القبض على الفاعلين في أقل من ١٢ ساعة واستشهد في عملية القبض على الجناة رجال أمن سعوديون في حادثة أكدت الوحدة الوطنية ووعي المجتمع السعودي بالاهداف الخبيثة لدق الاسفين بين مكوناته.

حجم الحادثة ضخم ومريع وهي هزت أفراد المجتمع لأن الحرب الطائفية التي يشاهدها السعوديون في بلدان مجاورة تجعلهم يتحصنون بقوة كلحمة وطنية واحدة من الصعب اختراقها. وأن التهديدات التي سمعها السعوديون من زعيم تنظيم داعش الذي هدد فيها السعودية من الداخل لم تكن مجرد تهديدات كلامية. ولذلك كان من الواضح أن الهدف من العملية هو فتح حرب داخلية بين افراد المجتمع السعودي، وهنا أثبت السعوديون صعوبة دفعهم لهذا التوجه لأنهم يدركون من خلف هذه العملية، ولأنهم كنسيج وطني واحد لم يعان من الثنائية الطائفية الحادة الموجودة في مجتعمات أخرى.

وقد كشف الأمن السعودي أن هناك خطة استراتيجية لتنظيم داعش في استهداف السعودية، حيث قسم السعودية الى خمسة قطاعات ووضع خططاً آنية تتمثل في استهداف رجال الأمن والتفرقة الطائفية واستهداف الاجانب المقيمين كما أن هناك خططا بعيدة المدى تتمثل في استهداف اماكن حساسة سواء عسكرية أو اقتصادية وغيرها مما يكشف عن مخطط مدروس بعناية من التنظيم الارهابي.

الاحداث الاقليمية في المنطقة تمر بواحدة من أسوأ فترات الاستقطاب الطائفي. وانعكست الاحداث في سوريا والعراق ولبنان وأخيرا اليمن على الاوضاع الداخلية للدول العربية في ظل وجود سياسة ايرانية تروج للتوسع الاقليمي من خلال المراهنة على الورقة الطائفية. وتخطئ ايران في سياستها هذه لأن الطائفية سرطان يستشري في المجتمعات ويدفع الجميع الثمن غاليا.

السعودية بلد مستهدف وقد بلغ عدد الحوادث الارهابية فيه حتى ٢٠١١ ثمانية وتسعين عملية ارهابية، راح ضحيتها اكثر من ١٥٥ شخصا وأصيب نحو ١٠٠٠ شخص. رغم أن وزارة الداخلية استطاعت إفشال النسبة الأكبر من العمليات الارهابية قبل حدوثها. وقد كشفت العملية الارهابية الأخيرة عن حجم الاحباط الذي اصاب المنظمات الارهابية في قدرة السعودية على كشف الخلايا الارهابية، واستئصالها. وكذلك فشل عملية الاحساء في تحقيق أهدافها في خلق نزاع طائفي داخل المجتمع.

وهناك حديث يتكرر داخل المجتمع السعودي بأهمية محاربة الفكر الذي يروج للتشدد والتطرف. وهؤلاء يؤثرون على فكر الجيل وبعضهم من صغار السن عديمي الخبرة والدراية مما يوقعهم في براثن الارهاب بسهولة. فقد كشفت الخلية التي ينتمي إليها صالح القشمعي منفذ عملية مسجد القديح أن ثلاثة منهم أعمارهم أقل من ١٦ سنة وأن المنفذ نفسه عمره عشرون عاما. ولذلك يحذر كثيرون من أن المنظمات الارهابية تستهدف الشباب السعودي صغار السن لأنهم الحلقة الأضعف وذلك نظرا لعاطفتهم الدينية العالية والتي تستغل من قبل هذه المنظمات بشكل انتهازي.

وهذه ليست المرة الاولى فحتى القاعدة حينما خططت لعملية ١١ سبتمبر اتجهت لاستقطاب الشباب السعودي وكان عدد السعوديين ١٥ من ١٩ شخصا منفذين للعملية. وهذا يكشف البعد الاساسي في أهداف تخطيط العمليات الارهابية وسعيهم لايقاع الضرر الأكبر بالسعودية مستغلين الشباب السعودي صغار السن.

ولذلك يطالب كثير من السعوديين بمحاسبة من يروج للفكر الاصولي ويزين للشباب التوجهات المتشددة. والدولة حذرت أكثر من مرة. ولكن خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية الأحد الماضي كان حاسما وقويا، حيث قال إن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة البشعة سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة وسينال عقابه. وأضاف (لن تتوقف جهودنا يوما عن محاربة الفكر الضال).

وهذا التوجيه من الملك يعطي رسالة بأن المواجهة ستكون مع الفكر الذي يروج أو يتعاطف مع التيار المتطرف. وهي خطوة مهمة، فالشعب السعودي أدرك أن الهدف هو شق اللحمة الوطنية وفوت بوقفته الواحدة الفرصة على المتربصين. وهذه خطوة مهمة، لكن الخطوة الأهم هو ما عبر عنه الملك سلمان في محاربة الفكر الضال وهذا ليس مسؤولية الدولة فقط، بل هي مسؤولية كل فرد لأن نار الحرب الطائفية قذرة وتلتهم الاخضر واليابس وتهدد الكيان ككل.

مرت السعودية بأيام حزينة بعد الفاجعة هذه ولكن عزيمة الشعب لا تهن ولا تذبل، بل من يتابع ما يقال في المجالس والمنتديات وما يكتب في الصحف ووسائل الاعلام أو على شبكات التواصل الاجتماعي يدرك أن أهداف العملية الإرهابية لم ولن تتحقق. وأن السعوديين سيخرجون من هذه الأزمة أقوى من ذي قبل.