سقوط مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية في قبضة تنظيم داعش، أخيراً، بعد فشل دام أكثر من سنتين لاقتحامها، يدفع بالعديد من التساؤلات التي كانت تتردد همساً منذ ظهور هذا التنظيم على مسرح العراق السياسي، لنتفرغ لمقاربة التساؤلات التي تتعلق بمدى جدية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في القضاء على تنظيم داعش رغم الضجيج الإعلامي الذي تحظى به شعارات الحرب على هذا التنظيم. وذلك أن من البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان قدرة التحالف على القضاء على هذا التنظيم في وقت قياسي لو أراد حقاً ذلك.

هناك العديد من التحليلات التي تُطرح لمقاربة الفشل في القضاء على هذا التنظيم، رغم مرور عام تقريباً على احتلاله لعدد من المدن العراقية، أغلب هذه التحليلات تميل إلى ترجيح الرأي القائل بعدم وجود استراتيجية لدى الولايات المتحدة زعيمة التحالف الدولي لمواجهته، ومن ضمن من يذهب لذلك السناتور الأميركي الجمهوري البارز جون مكين. ولكن هذه التحليلات رغم اختلاف المشارب والأهواء والأهداف التي تكمن وراء طرحها، فهي لا تخلو من تأثير المماحكات السياسية داخل الولايات المتحدة وخارجها،..

والتي قد تكون على حساب الدقة والطرح الموضوعي. فالولايات المتحدة التي تتزعم حملات محاربة الإرهاب لديها مؤسسات ومراكز بحث وتطوير تعمل على وضع الرؤى وصياغة السياسات بعيدة المدى، ولها خبرات متراكمة على مدى عدة عقود من الزمن في مكافحة الإرهاب ولديها أجهزة على درجة عالية من التخصص في هذا المجال ولديها قدرات استخبارية لا تضاهى. وهي لم تكتف بذلك بل عمدت إلى توظيف الأجهزة الإعلامية التي لديها ولدى حلفائها لهذا الغرض .

ليس هناك من معنى للحديث عن القضاء على هذا التنظيم دون أن تغطي العمليات العسكرية ضده أراضي سوريا والعراق. فطرائق التصدي لهذا التنظيم في الأراضي العراقية لا تقود حقيقة إلى القضاء عليه بل إلى إدامة وجوده إلى حين، واستخدامه كأداة لتحقيق أهداف تكتيكية للإدارة الأميركية، فهذه الإدارة تتوقف عن التصدي له حين ترى أن بوصلة الحكومة العراقية قد ابتعدت بعض الشيء عن مغناطيسها، وتعود للتصدي ببعض الضربات إلى معاقله حين تعاد هذه البوصلة إلى رشدها.

من جانب آخر، اقتصرت هجمات التحالف الدولي للحرب على داعش في سوريا على العمليات العسكرية التي نفذت في مدينة كوباني، وقد تراجعت كثيراً بعد أن زال الخطر عن هذه المدينة الكردية. فالرئيس الأميركي نفسه صرح في وقت سابق بأنه «ليس لدينا استراتيجية اتجاه داعش في سوريا»..

وهو بهذا التصريح عبر عن سياسته المرتبكة وغير الواضحة إزاء الوضع في سوريا. فإدارته للأزمات وفق اتباع منهج أنصاف الحلول في العراق وإبقاء المشكلة السورية معلقة يجعل من استراتيجية محاربة داعش عملية عبثية.

الحكومة العراقية من جانبها، جادة في محاربة داعش رغم قدراتها المتواضعة، فهي تعتبر القضاء على هذا التنظيم قضية مصيرية، أما الحكومة السورية فهي لا تعمل شيئاً يذكر إزاءه لأنها ترى في استمرار وجوده مبرراً لاستمرار بقائها. القضاء على داعش في العراق وفي سوريا ..

وفي غيرهما، قضية سياسية قبل أن تكون قضية تتطلب جهداً حربياً، إذ رغم النكسات التي أصيب بها هذا التنظيم في أماكن عدة من العراق، نراه يسترجع عافيته وقدراته على المناورة والأخذ بالمبادرة، والقيام بعمليات كبيرة كما حدث في احتلال مدينة الرمادي. ولدى التنظيم القدرة على تحقيق اختراقات كبيرة..

لأن أجواء المنطقة ملغومة بالتناقضات والحزازات والإحباطات، وهناك أكثر من دولة من دولها تستفيد من وجود هذا التنظيم بهذا الشكل أو ذاك، وربما توفر له بعض الدعم اللوجستي. إن ما يقف حجر عثرة حقيقية أمام تحقيق نصر نهائي عليه في العراق هو أن مواقف معظم الفرقاء في مواجهته تتسم بالتردد وتفتقر إلى الحزم والحسم على مستويات عدة، ابتداء من الولايات المتحدة، ومروراً برئيس الوزراء العراقي، ووصولاً إلى العشائر العراقية في المنطقة الغربية.