بينما كنت لا أزال أعمل في القسم العربي بهيئة الإذاعية البريطانية، خلال الحرب العالمية الثانية، قرأت بعضاً من مؤلفات الكاتب المصري الكبير يحيى حقي، ولذا، فإنني عندما مضيت إلى القاهرة، كان حقي واحداً من أوائل الكتاب الذين بادرت إلى الاتصال بهم.

ولا بد لي من الاعتراف بأنني وجدت في ذلك الوقت، أن يحيى حقي كاتب صعب، فهو مشغول بالنقاط الدقيقة في اللغة، ومن بين كل الكتاب الذين قدر لي أن أعرفهم في القاهرة خلال تلك الأيام المبكرة، فإن حقي كان واحداً من القلائل الذين أصبحوا أصدقاء شخصيين لي بصورة حقيقية.

وقد أفضيت ليحيى حقي بطموحي في أن أقدم مجلداً من القصص العربية القصيرة المستمدة من جميع أنحاء العالم العربي، وأن أجد ناشراً لهذا المجلد في بريطانيا، وسيكون ذلك بمثابة المحاولة الأولى لتقديم الأدب العربي الحديث للغرب، وكان ذلك في عام 1967.

في الأعوام التالية، أقمت غالباً خارج مصر، ولكنني كنت أزور القاهرة بصورة منتظمة، وفي كل مناسبة، كنت أنا ويحيى حقي نلتقي، وكان يبادرني باسماً بالسؤال عن أحوال مجلدي الخاص بالقصص العربية القصيرة، وكان كل منا يعرف في قرارات نفسه، أن هذا المشروع ربما كان أملاً يتعذر تحقيقه، وقد لا يتحقق أبداً، فحتى لو وجدنا المادة الضرورية له، كيف لي أن أعثر على ناشر لمثل هذا الكتاب غير المألوف؟.

ولكن جاء اليوم الذي انتهى فيه هذا المجلد، وأتاح حسن الحظ صديقاً لي في لندن، يعرف شخصاً، يعرف بدوره شخصاً آخر يعمل في مطبعة جامعة أكسفورد. وكان هذا يعني على الأقل، أن الكتاب ينظر إليه بجدية، وفي نهاية المطاف، تم قبول مجلد القصص العربية القصيرة للنشر كعمل بحثي، وليس لأي ميزة أدبية قد يضمها، وكان هناك أيضاً شرط مهم، وهو أن يقوم باحث متميز بكتابة مقدمة للكتاب.

هكذا، تمكنت في زيارتي التالية للقاهرة، من أن أحدث صديقي يحيى حقي بأن مجلداً بعنوان «قصص عربية حديثة»، سيصدر من دار نشر شامخة، هي مطبعة جامعة أكسفورد.

وقد صدر الكتاب بغلاف غير مألوف، صممه صديقي الفنان السوداني إبراهيم الصلحي، وقد تألف الغلاف من أسماء الكتاب الذين يضمهم المجلد، مكتوبة بالخط العربي على شكل جواد.

غير أن ذلك كان في عام 1967، وهو ليس بأفضل الأعوام التي يمكن أن يصدر فيها مجلد للقصص العربية القصيرة، وقد رفضت مطبوعات إنجليزية عديدة نشر مراجعة للكتاب.

وساهم في تعقيد الموقف، أنه ما من حكومة أو مؤسسة عربية واحدة اشترت نسخة من هذا الكتاب، وعجزت مطبعة جامعة أكسفورد عن بيع الطبعة المحدودة للغاية التي طبعتها. وقد بيع في وقت لاحق في طبعته ذات الغلاف الورقي في لبنان.

وقد رأيت أخيراً أن مطبعة جامعة أكسفورد قد أصدرت مجلداً من القصص اليابانية القصيرة، فبادرت بالكتابة إلى المسؤولين عن الدار، وأشرت إليهم باعتبارهم الدار التي أصدرت أول مجلد من القصص العربية القصيرة المترجمة إلى الإنجليزية، فإنه ينبغي لهم بعد هذه الفترة الطويلة من الزمن، أن يكونوا ناشري مجلد، يعد بمثابة متابعة للمجلد الأول.

ومن المؤسف حقاً، أن القائمين على مطبعة جامعة أكسفورد، قد ردوا بأن مجلدات القصص القصيرة يصعب بيعها، ويبدو بصفة خاصة، أن مجلدات القصص القصيرة العربية هي الأكثر صعوبة في تسويقها. كان الكاتب المصري الكبير إدوار الخراط، صديقاً لي على امتداد فترة طويلة من الزمن، وكانت إحدى قصصه الكثيرة مدرجة في مجلدي الأول من القصص العربية القصيرة، الذي أصدرته مطبعة جامعة أكسفورد، وكان إدوار من كبار مشجعي المواهب الشابة على امتداد زمن طويل، وقد قدم العديد من هذه الأوصاف للمرة الأولى للجمهور العريق عبر مجلة «غاليري 67»، التي تولى رئاسة تحريرها، وكان من بينهم كتاب من أمثال إبراهيم أصلان، محمد البساطي ويحيى الطاهر عبد الله.

وكانت شقة أدوار الخراط الصغيرة في حي الزمالك، التي زادها صغراً، ازدحامها بالعديد من الكتب، والتي قابلته فيها لأول مرة في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، ملتقى للكتاب المصريين الواعدين، الذين قدر لأعمال كثيرين منهم أن تطل على الجمهور العالمي الواسع عبر ترجمات عديدة.