دولة القانون أو الدولة القانونية هي الدولة التي يسود فيها حكم القانون على كل الإرادات الفردية، بل وعلى كل مؤسسات الدولة. ونستطيع أن نقول إن الحضارة الغربية ظلت إلى ما قبل الثورة الفرنسية بقليل لا تعرف دولة القانون، وإنما كانت الدولة تختلط بشخص الحاكم.

كان لويس السادس عشر يقول أنا الدولة. وكان هذا الكلام صحيحاً إلى حد كبير. كانت إرادة الحاكم هي إرادة الدولة، وكانت أموال الدولة جزءاً من أموال الحاكم. وظل الحال هكذا إلى أن قامت الثورة الفرنسية الكبرى وغيرت أمور العالم كله لكى تسير الدول خطوة خطوة نحو دولة القانون التي أصبحت القاعدة في كل الدول الحديثة، خاصة بعد أن زالت الدكتاتوريات أو كادت في كل بلاد العالم.

هذا عن الحضارة الغربية. فما الذي كان بالنسبة للحضارة الإسلامية.

ويطيب لي أن أذكر ما حدث في فجر الحضارة الإسلامية، ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم.

عندما فتح الله على الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، واستقرت الدولة الإسلامية على قواعد ثابتة، وبدأت قبائل قريش وأغلب القبائل العربية تدخل في دين الله أفواجاً، أصدر الرسول عليه الصلاة والسلام وثيقة المدينة، التي آخى فيها بين المسلمين والنصارى، بل وبينهم جميعاً وبين اليهود الذين كانوا يقيمون في بعض أرجاء الجزيرة العربية.

وقصص ذلك معروفة مشهورة. آخت وثيقة المدينة بين جميع المواطنين المقيمين في المدينة وما حولها، ما نستطيع أن نقول معه إن قاعدة القانون وإن دولة القانون قد وجدت منذ ذلك الوقت.

وإذا كان هذا هو الحال مع وثيقة المدينة، فإن الأمر لم يستمر طويلاً على ذلك وإنما بعد وفاة الرسول الكريم وبعد الخلفاء الراشدين، بدأ «الملك العضوض» يصبح هو القاعدة وبدءاً من حكم الأمويين ومن بعده حكم العباسيين، ثم تواصل الانهيار بعد ذلك، بدأت دولة القانون تنخفض رويداً رويداً وعدنا إلى حكم الفرد وإرادة الفرد كما لو كنا قد استنسخنا لويس السادس عشر العربي، الذي لا تعلو إرادة على إرادته.

ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

ولكن الأمور في العقد الأخير، أي منذ الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو بدأت تأخذ منحنى آخر.

بدأت الأمور تتجه رويداً رويداً نحو دولة القانون وسيادة القانون على كل الإرادات.

نعم لم تكتمل الصورة، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، وكما يقول الصينيون إن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.

في الفترة الماضية كان الحكام العرب نوعين: إما جالس متربع على الكرسي، وإما قابع في ظلام القبور أو ظلام السجون.

كنا نتمنى وجود حاكم سابق، وجاء اليوم الذي نرى فيه في مصر حاكمين سابقين «مبارك ومرسى»، ونرى حكاماً جدداً يخاطبون الشعب على أنه الحاكم وأنه صاحب الإرادة العليا، وأن الحكام ما وجدوا إلا لتنفيذ إرادته وخدمته.

ولعل آخر الأمثلة على زوال دولة الطغيان لكي تترك مكاناً لدولة القانون هو ما حدث في الانتخابات التركية الأخيرة، كان أردوغان يريد إقامة سلطنة جديدة وكان يحلم بأن يكون آخر سلاطين بني عثمان، ولكن الشعب التركي أطاح به في الانتخابات الأخيرة، وأسقط دكتاتوريته تمهيداً لعودة سيادة القانون ودولة القانون.

إن دولة القانون قادمة. وإن سيادة القانون قادمة بإذن الله.