في شهر العطاء والخير تهيم النفس بمشاعر سامية، ويجول الفكر بخطراته، والعقل بنظراته حول قادة ارتبط ذكرهم بالخير، وما قضوه في رحلتهم مع الحياة بالعطاء على من حولهم، وأول من يشخص أمامك في العصر الحديث هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وأكثر ما يحير أي كاتب يتصدر للكتابة عن سيرة ومسيرة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، هو من أين يبدأ، وأية زهرة من بستان عطائه يقطف، وما هو الجانب التي يتحدث فيه عن مناقبه، التي يعز علينا إحصاؤها؟

هل يكون عن زايد الإنسان، الذي أحب شعبه فبادله شعبه حباً بحب وعطاء بعطاء، أم زايد القائد المؤسس، الذي صنع تاريخاً وأسس دولة باتت نموذجاً ينظر إليه القاصي والداني بكل التقدير والاحترام، التي تجاوزت في مراحل التطور، التي تحدثت عنه النظريات العلمية للدرجة التي جعلت من علماء التنمية يعيدون النظر في تراتبية المراحل التي تمر بها الدول، هذه الدولة التي كان قال الشيبة عندما قال له الشيخ زايد، رحمه الله، ما رأيك في أن نقيم دولة لها دستور ومؤسسات حاكمة منظمة تأخذ مكانها ومكانتها بين دول العالم، فكانت إجابة الرجل «عندما تسير الناقة على ظهرها»، وهو في ذلك يتحدث من منطلق الصعوبات التي يراها والتحديات التي يحياها من قسوة الصحراء، وشح الموارد، ورقة العيش، والناس تبحث عن أساسيات الحياة من علاج ومسكن وطعام، فكيف يكون الحديث عن بناء دولة، وما هو السبيل إلى ذلك، تلك هي مدرسة زايد في القيادة التي أسسها وتعلم في رحابها القادة، قيادة لا ترى في التحديات غير فرصة جديدة للنجاح والاستمتاع بالتغلب عليها، قيادة تضع الهدف الذي تؤمن به، وترى نتائجه شاخصة أمامها في حين ينظر إليه الآخرون باعتبارها درباً من التمني والأحلام، نعم أحلام، وهل تصح قيادة من دون أن تملك الحلم، وهل ما يعيشه أبناء الإمارات من واقع بات أملاً للغير أن يعيشوا على أرضه، ألم يكن واقع اليوم هو حلم الأمس؟

تمر الأيام ويلتقي الشيخ زايد، رحمه الله، بالرجل نفسه، الذي حدثه من قبل، ويسأله كيف الحال الآن؟ فيرد «الناقة تسير الآن على ظهرها! هكذا أقر كل من كان يرى دولة الإمارات الحلم المستحيل حتى غدت الآن التجربة الوحدوية الناجحة في العالم العربي، ومن ينظر إلى المشهد العربي الآن من المحيط إلى الخليج يدرك كيف هي حكمة المؤسس، وكأنه كان يستشرف المستقبل.

وما يجعلك تتوقف كثيراً أن زايد الخير جعل من العطاء منهج قيادة، وأسس مدرسة من العطاء منذ البداية حين قال «إذا كـان الله، عز وجل، قد من علينا بالثروة فإن أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نوجه هذه الثروة لإصلاح البلاد، ونسوق الخير إلى شعبها»، ولم تقتصر أياديه الخيرة على أبناء شعبه، الذي نظر إليهم باعتبارهم أبناءه، فحسب بل امتد عطاؤه إلى النطاق الإقليمي لأمتنا العربي، وآثاره شاهدة وشاخصة في ربوع الخير لمدن تحمل اسمه، لتخلد قيادة أحبها أبناء أمتها العربية فخلدوا ذكراه في قلوبهم، فومضات الخير قائمة في مستشفى يعالج من تجمعت عليهم الآلام، وعز عليهم العلاج، أو مدرسة تعلم أبناء أمتنا، أو أراض شاسعة تحولت من صحراء قاسية إلى مساحات خضراء انعكس خيرها على قلوب من انتفعوا بها، أو مسجد يذكر فيه اسم الله، ويرتفع فيه نداء الله أكبر فيجيب الناس داعي الخير، كما امتد عطاؤه، رحمه الله، إلى العالم كله، فلا تجد من يحتاج إلى الغوث إلا وزايد الخير حاضر يلبى النداء تعبيراً عن وحدة الضمير الإنساني ووحدة المصير، «فكلكم لآدم وآدم من تراب».

ومن الأهمية بمكان لمن ينظر إلى تجربة العطاء الإنساني لزايد الخير أنه أسس دولة باتت في مقدمة دول العالم عطاء للبشرية من دون النظر لعرق أو دين أو لغة، وسار على الدرب الخلف، الذين حملوا الراية من بعده، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قائلاً: إن دولتنا، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ماضية على طريق الآباء المؤسسين، الذين رسموه لنا وسلكوه من أجل مد يد العون والمساعدة، والعمل على مكافحة الفقر والجوع، ومساعدة المعوزين حول العالم، دون النظر إلى جنسياتهم أو لونهم أو ديانتهم، فطوبي لمن أسس، وطوبى لمن حافظ، وطوبى لمن كان عوناً لأبناء أمته والإنسان أياً كانت هويته.