أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، المرسوم بقانون اتحادي رقم (2) لسنة 2015 في شأن مكافحة التمييز والكراهية.

هذا القانون يجرّم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كل أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية وتجريم التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملّة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني، ومكافحة استغلال الدين في تكفير الأفراد والجماعات.

وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عبر تويتر، أن وحدة المجتمع وتماسكه والمساواة بين جميع أفراده بدون تمييز هي ضمان لاستقراره وسعادته، والفتن والجدل وإثارة الكراهية هي تفكيك له من داخله.

جاء هذا القانون امتداداً للمبادرات الدولية والإقليمية والمحلّية التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة نحو إقامة مجتمع مسالم تجمعه مجموعة من القيم والمبادئ الإنسانية . لقد قامت مؤخراً الدولة بإقامة مركز «صواب» للتراسل الإلكتروني، ومركز «هداية»، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، فضلاً عن مجلس حكماء المسلمين الذي أرسل قوافل إلى ١٥ دولة للدفاع عن سماحة الإسلام واعتداله.

إن قانون مكافحة التمييز والكراهية جاء تلبية للواقع الذي نعيشه، فلو توقفنا للحظة والتفتنا حولنا لأدركنا أن الفتن التي أوصلت شعوبنا الصديقة في مصر وتونس وليبيا والعراق وسوريا واليمن أساسها نبذ المذاهب الأخرى وزراعة خطاب الكراهية بالإضافة إلى التمييز بين الجماعات والمذاهب وازدراء الأديان. فقد عرّف القانون خطاب الكراهية بأنه «كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد والجماعات».

لقد انبثق هذا القانون من روح دولة الإمارات المتسامحة القائمة على حب الشعوب والتعايش السلمي وحماية المقيمين، تلك القيم التي تأسسنا عليها منذ القدم، والتي مصدرها في المقام الأول ديننا الحنيف، الذي أرسى تلك القيم، قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».

فحينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة كان أول ما فعله بعد بناء المسجد والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وضع صحيفة المعاهدة مع اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة. لتكون هذه الصحيفة هي الإعلان الصريح بأن الحريات مصونة محفوظة، مثل حرية العقيدة والعبادة وحق الأمن، إلخ، فحرية الدين مكفولة قال تعالى: « لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ». وقد أنذرت الصحيفة بإنزال الوعيد، وإهلاك من يخالف هذا المبدأ.

إن الإسلام دين لا ينفي الآخر على الإطلاق بل يقرّ بوجود الاختلاف بين الناس في أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم فهو سنة إلهية وحكمة ربانية، قال تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، وقال: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»، وقال: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ». ولقد استمر النبي صلى الله عليه وسلم حتى وفاته يطبّق هذا السلوك الحضاري القويم، فكان يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة.

وشدّد النبي صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة المسلم لغير المسلمين والعدل معهم وإعطائهم حقوقهم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ. فاحترام النفس الإنسانية مبدأ إسلامي أصيل لا يختلف عليه اثنان ، عن ابن أبي ليلى، أن قيس بن سعد وسهل بن حنيف كانا بالقادسية ، فمرّت بهما جنازة ، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّت به جنازة فقام. فقيل : إنه يهودي. فقال : أليست نفساً؟!

فالتعايش السلمي مع الآخر لا يعني على الإطلاق الذوبان فيه وضياع الهوية والذلّة والاستكانة له، بل يعني الاحترام المتبادل ومعرفة كل طرف ماله وما عليه. . يُحكى أن عليًّا بن أبي طالب- رضي الله عنه- افتقد درعًا كانت عزيزةً عنده فوجدها عند يهودي فقاضاه إلى قاضيه شريح، وعليٌّ يومئذٍ هو الخليفة أمير المؤمنين، فسأل شريح أمير المؤمنين عن قضيته فقال: الدرع درعي، ولم أَبِع ولم أهب، فسأل شريح اليهودي: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟، فرد هذا متلاعبًا: الدرع درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب - يريد أن يمسك العصا من منتصفها- فيلتفت شريح إلى أمير المؤمنين: هل من بينة؟!.

وكان موقف شريح موقفًا رائعًا كموقف أمير المؤمنين.. لقد حكم بالدرع لليهودي لعدم وجود البينة عند المدعي أمير المؤمنين، وأخذ الرجل الدرع ومضى وهو لا يكاد يصدق نفسه، ثم عاد بعد خطوات ليقول: يا الله.. أمير المؤمنين يقاضيني إلى قاضيه فيقضي عليه؟!.

إن هذه أخلاق أنبياء.. أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. الدرع درعك يا أمير المؤمنين، خرجت من بعيرك الأورق فاتبعتها فأخذتها. فيقول علي رضي الله عنه: أمَّا إذا أسلمت فهي لك! ذاك هو الإسلام الحقيقي وتلك مبادئه التي جعلت منه أسمى الأديان.

لقد لاقى القانون قبولاً واسعاً في المجتمع والمنطقة وقد انعكس ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي، واتفقوا على أنه السبيل نحو توحيد الصف والمحافظة على الوحدة الوطنية، فقد أكد نائب عام أبوظبي على أن القانون يضع حدّاً لأي محاولة لبث التفرقة بين أفراد المجتمع الذين تعايشوا على مدى عمر هذه الدولة الفتية، بينما غرّد سهيل العبدول بقوله بأن الإمارات وطن العدل والعدالة والمساواة بين الجميع، كلنا سواسية تحت سقف القانون.

وكانت تغريدة مدير عام برنامج وطني ضرار بلهول الفلاسي بأن دولة الإمارات عبر التاريخ أعطت دروساً في قوة التلاحم فما استطاع المروجون للفتنة تمرير أفكارهم في مجتمعنا، وغرّدت مريم الكعبي بأن الإمارات دولة غطاؤها السلام سماؤها الانفتاح ترابها أمن وروحها عزم وقيادتها حزم شكراً وطني الإمارات، كما غرّد سلطان العميمي بأنه ارتفعت مؤخراً للأسف أصوات تحمل نبرة تحريضية طائفية، تحت غطاء ديني وآخر وطني. وصدور قانون مكافحة التمييز والكراهية سيضع حدّاً لهذه الأصوات.

وقد بارك الفنان ناصر القصبي صدور القانون وبأنه قفزة حضارية وقرار عظيم جاء في التوقيت المناسب.

القانون أكد صراحة في مادته الثالثة على المبدأ الدستوري بأنه لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير لإتيان أي قول أو عمل من شأنه التحريض على ازدراء الأديان أو المساس بها، بما يخالف أحكام هذا المرسوم بقانون.

والقانون في حقيقته تعبير واضح عن إرادة المشرّع التي عبّر عنها في العديد من القوانين المتمثلة في معاقبة من تسوّل له نفسه أن يتعرّض للأديان أو لأي شكل من أشكال التمييز، إلا أن القانون قام بتجميعها في قانون واحد وأضاف أفعالاً كما قام بتشديد العقوبة، والسبب وراء تشديد العقوبة جسامة الأفعال؛ فقد نصّ القانون على المعاقبة بالسجن المؤقّت كل من استغل الدين في رمي أفراد أو جماعات بالكفر سواءً بالقول أو بالكتابة أو باستخدام أي من الوسائل وتكون العقوبة الإعدام إذا اقترن الرمي بالكفر تحريضاً على القتل فوقعت الجريمة نتيجة لذلك.

تضمّن المرسوم بقانون أحكاماً أخرى تهدف بمجملها إلى مكافحة كافة الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، ومن ناحية أخرى نصّ القانون على أنه لا يعد تمييزاً محظوراً في تطبيق أحكام هذا القانون كل ميزة أو أفضلية أو منفعة تتقرر بموجب أحكام أي تشريع آخر في الدولة للمرأة أو الطفل أو لذوي الإعاقة أو لكبار السن أو لغيرهم.