«ثمن الحرية هو اليقظة الدائمة»، يقول السياسي الإيرلندي جون فيلبوت كوران. أوافقه الرأي تماماً، لا سيما وأن هناك عدداً كبيراً من الأفراد العديمي الضمير الذين يستغلّون حريتهم للتسبّب بالعنف والفوضى.

لقد نجح مثيرو المتاعب والمجانين، ويا للأسف، في تحويل أجزاء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جحيم، ولذلك تعتمد الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي سياسات عدم التسامح المطلق، التي تتعرّض أحياناً لانتقادات مجحفة من قبل جماعات حقوق الإنسان في الغرب، التي ليس لديها أدنى فكرة عن المخاطر التي نواجهها.

لقد وضعنا قواعد وبرامج سلوكية، ومن يتقيّدون بها ليس لديهم ما يخشونه. لا نقدّم اعتذاراً عن ضبط حدودنا لإبعاد الإرهابيين والمجرمين الذين لا يتورّعون عن دخول دور السينما أو المدارس أو المراكز التجارية في مناطق أخرى من العالم، مسلّحين بمدافع رشاشة يقتلون بها الأبرياء.

الركيزة الاقتصادية لكل بلد ناجح في هذا العصر هي الأمن، والأمن قبل كل شيء. الاستقرار يستقطب المستثمرين؛ فهؤلاء يريدون توظيف أموالهم وأصولهم في بيئة آمنة ومحميّة تشكّل أيضاً عامل جذب للخبرات والموظفين من الدرجة الأولى الذين يطمحون للعمل في مكان حيث يمكنهم أن يسيروا في الشارع من دون أن يتعرّضوا للسرقة أو الإزعاج؛ مكان حيث يستطيع أبناؤهم وبناتهم أن يسيروا بأمان من دون أن يطاردهم مروّجو المخدرات، لكي لا يقع ما هو أسوأ من ذلك.

يُعتبَر الأمن الرفيع المستوى من أحد أهم الأسباب التي تقف خلف ازدهار الاقتصاد وتنوّعه في الإمارات، التي تُعَدّ من البلدان الأكثر أماناً في العالم، وتنوي السلطات الحفاظ على هذه الميزة. بالفعل، صُنِّفت أبوظبي ودبي أخيراً المدينتَين الأكثر أماناً في الشرق الأوسط وأفريقيا، بحسب مؤشر المدن الآمنة لعام 2015 الصادر عن «وحدة الاستخبارات الاقتصادية» في مجلة «الإيكونوميست».

تشهد مراكز التسوّق لدينا إقبالاً كثيفاً، وتمتلئ فنادقنا بالنزلاء، ومطاراتنا هي من الأكثر حركةً في العالم، لأن المقيمين والزوّار على السواء يستطيعون أن يسترخوا ويستمتعوا ليقينهم بأنهم يتمتعون 24 ساعة على 24، بالحماية من قبل عناصر الأمن والشرطة الذين هم على أهبة الاستعداد وعلى درجة عالية من التدريب.

العام الماضي، صُنِّفت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى في مؤشر التقدم الاجتماعي العالمي، مع تسجيلها أدنى معدل من جرائم العنف ومن عمليات القتل في العالم. لا أزال أذكر تلك الأيام الغابرة عندما لم نكن نغلق أبواب منازلنا، وكان من الطبيعي رؤية سيارة ذات سقف مكشوف مركونة في الموقف والمفاتيح لا تزال بداخلها. عدم التسامح مع السارقين جزء متأصل من ثقافتنا، لكن بعدما تحوّلت مدننا إلى حواضر متعددة الثقافات، رفعت السلطات إلى حد كبير حالة التأهب لديها، بمساعدة من شبكات واسعة من كاميرات المراقبة ومعدات المراقبة المتطورة في الأماكن العامة وعلى الطرقات السريعة.

وقد واكبت أجهزة التحريات في البلاد التطورات التكنولوجية لمواجهة التهديدات الجديدة، وأثارت إعجاب الأصدقاء بكفاءتها التي تتخطّى حدود الإمارات.

لم تعمل الإمارات العربية المتحدة على تعزيز أمن الحدود خلال الأعوام الماضية وحسب، بل جرى أيضاً إقرار قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب. وقد أُغلِقت عشرات الشركات الدولية والمحلية على خلفية اتهامها بتبييض الأموال في حين اعترضت القوى الأمنية أعداداً كبيرة من السفن للاشتباه في نقلها حمولة خطيرة.

علاوةً على ذلك، جمّد المصرف المركزي حسابات العديد من الأشخاص المشتبه بانتمائهم إلى تنظيمات إرهابية، وكذلك حسابات مموّليهم بالتنسيق مع الشركاء الأجانب. لا أحد ممن يحظون بامتياز العيش في وطني الأم يتذمّر من هذه التدابير الواسعة النطاق، ما عدا المجرمين أنفسهم - ومجموعات حقوق الإنسان في الخارج التي تهتم بحقوق الأشرار أكثر من اهتمامها بحقوق الأشخاص العاديين الذين يفعلون ما يتوجّب عليهم.

فضلاً عن ذلك، وبغية مساعدة الأفراد على حسن التفاعل مع المنظومة القانونية التي تُعتبَر في بلدان كثيرة معقّدة وبطيئة، أطلقت محاكم دبي خدمات إلكترونية ريادية تقدّم «أكثر من مئة خدمة ذكية لتأمين خدمات قانونية متكاملة» من أجل المساعدة في «التسويات الودّية» و«الدعاوى العمالية» و«الدعاوى التجارية»، وغيرها من الخدمات. وهناك أيضاً بوابة النيابة العامة الإلكترونية لدولة الإمارات التي تتيح للمعنيين البحث عن قضايا محددة، ومحامين وخبراء ومترجمين.

على الرغم من أنه يُعرَف عن الإمارات العربية المتحدة أنها تتعامل بحزم مع تجّار المخدرات ومروّجيها الذين يدمرون بجشعهم حياة الشباب ويشتّتون شمل العائلات، تشمل الاستراتيجية الحكومية في الوقت نفسه إعادة دمج الضحايا لعودتهم إلى المجتمع، لا سيما من يتعاطون المخدرات لأول مرة، والذين يتم توجيههم إلى المركز الوطني لإعادة التأهيل أو سواه من المنشآت العلاجية.

يعود الفضل الأكبر إلى أجهزة الشرطة التي لا تتعامل بحزم مع الجناة وحسب، بل اكتسبت أيضاً احترام المواطنين والمقيمين على السواء. فقد خلص استطلاع أجرته شركة YouGov عام 2014 لصالح صحيفة «ذي ناشونال»، أن 78 في المئة ممن شملهم الاستطلاع من مختلف الجنسيات يعتبرون أن أفراد الشرطة وأجهزتها تقوم بعمل ممتاز أو جيد. وأعرب نحو 79 في المئة عن اعتقادهم بأنهم سوف يُعامَلون باحترام في حال كان عليهم التعامل مع الشرطة.

وقد تصدّرت شرطة دبي العناوين الرئيسة في الصحف العالمية في يناير 2010، عقب اغتيال القيادي في حركة «حماس»، محمود المبحوح، في غرفة أحد الفنادق في دبي على يد مجموعة من الأشخاص الذين كانوا قد دخلوا البلاد بجوازات سفر مزوّرة، ويُعتقَد أنهم تحرّكوا بناءً على تعليمات من الموساد الإسرائيلي. وقد وزّعت الشرطة على الفور مقاطع فيديو عن القتلة فضلاً عن صورهم وتفاصيل عن جوازات سفرهم وتمّ التعرف عليهم، فأثارت ذهول المجتمع الدولي بكفاءتها وفاعليتها.

اليوم، تملك دبي عشرة مراكز للشرطة وقوة قوامها 15000 من أفراد الشرطة المدرّبين على التفاعل والتعامل مع الجمهور بوصفهم سفراء تنفيذ القانون في الإمارة. وفي مشهد ساهم في تعزيز صورة الشرطة، قام عناصر من الشرطة السياحية بقيادة موكب مؤلّف من سيارات بغاية الفخامة، بينها «فيراري» و«مكلارين»، ونزلوا عند رغبة الزوّار الذين أرادوا التقاط الصور معهم وطرح أسئلة عليهم عن المدينة.

ولا يتوقّف الابتكار عند هذا الحد. يُتوقَّع أن تحوّل شرطة دبي رجل الشرطة الآلي (Robocop) من شخصية على الشاشة إلى واقع فعلي؛ لن يحمل هؤلاء الرجال الآليون مسدّسات ويُستخدَموا في ردع الجرائم، بل سيكونون بمثابة رجال آليين تفاعليين مرتبطين بمراكز الاتصال التابعة للشرطة.

من أعظم ما تتميز به منظومة تنفيذ القوانين في الإمارات كيف أن التعاطي الصارم مع المخالفين يخفّف من حدته الاهتمام بالأشخاص الذين يتقيّدون بالقوانين، والتعاطف معهم. فالفوز بالقلوب والعقول يترافق جنباً إلى جنب مع التعاطي بحزم مع من تسوّل له نفسه الإساءة إلى كل ما بنيناه. ترحّب الإمارات بالأخيار بقلب مفتوح، لكنها لن تتسامح أبداً مع أصحاب النوايا السيئة أو من يقلّلون من احترام ثقافتنا وقوانيننا.