تمضي دولة الإمارات ثابتةً راسخةً بقيادتها وشعبها في مسيرة البذل والعطاء والتضحية، بعزم وتفانٍ وعمل جاد وإرادة صلبة، وذلك في سبيل نصرة الحق، وتعزيز الخير، وإحلال السلام، وتوطيد أركان الأمن والاستقرار، وإرساء العدل، ورفع البغي والظلم، والوقوف مع الأشقاء والأصدقاء، خاصة في أوقات المحن والشدائد، وكلها قيمٌ عُليا دعت إليها شريعتنا الإسلامية، وحثت عليها الفطرة الإنسانية، وذلك وفق رؤية حكيمة متزنة، وكفاءة عالية، ومبادئ راقية سامية، مستمدة من تعاليم ديننا الحنيف، وعروبتنا الأصيلة، وعاداتنا وتقاليدنا النبيلة، وثوابتنا السياسية المتينة، حتى أصبحت دولة الإمارات مضرباً للمثل في ميادين عديدة، سواء في المجالات الإنسانية أو التنموية أو الدبلوماسية أو العسكرية أو غيرها، مؤمنةً كل الإيمان بالشراكات الاستراتيجية الفاعلة التي تخدم هذه الجوانب، سواء على نطاق العمل الخليجي أو العربي أو الإسلامي أو الدولي، وقد قدمت في ذلك صوراً مشرقة، ونماذج مشرِّفة.

الإمارات حرصت منذ بزوغ فجرها الساطع على يد مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على الوقوف مع أشقائها في كل محنة، وذلك من منطلق مسؤولياتها تجاه إخوتها من أبناء الأمة العربية والإسلامية، ومن منطلق واجبها الشرعي والوطني والإنساني، يقول الشيخ زايد رحمه الله: «إن الله سبحانه وتعالى أمر المسلم أن يقف إلى جانب أخيه المسلم، وأن يعمل له كما يعمل لنفسه، وخاصة في أوقات المحن، عندما تصبح الواجبات فرضاً على الأشقاء»، وفي هذا الإطار جاء وقوف دولة الإمارات مع اليمن الشقيقة حكومة وشعباً ضد البغي والعدوان، في عمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل، وهي وقفة أخوية لم تكن بجديدة أو غريبة على دولة الإمارات التي وقفت دائماً مع أشقائها في كل شدة ومعضلة، وكانت أياديها البيضاء حاضرة بارزة، وجهودها سباقة ملموسة شاهدة.

ولقد أثبتت قواتنا المسلحة طيلة مسيرتها الرائدة في هذه العمليات وغيرها بسالتها وشجاعتها وكفاءتها، وكانت خير معين في نشر السلام وإحلاله في العديد من مناطق العالم، وبذلت العديد من التضحيات في ذلك، حتى قدمت عدداً من جنودها البواسل شهداء في ساحات الوغى، فجاء استشهاد الملازم أول طارق الشحي في إطار مهمة دعم الأمن والاستقرار في مملكة البحرين، كما جاء استشهاد عدد من ضباطنا وجنودنا المشاركين في عملية إعادة الأمل في اليمن، أعلى الله درجاتهم جميعاً في جنات النعيم.

ولعله من المناسب أن أوجه عدة رسائل؛ الرسالة الأولى: إلى أسر وأقارب الشهداء، فأقول لهم: ألهمكم الله الصبر والسلوان، وتغمد شهداءكم بالرحمة والغفران، وأجزل لكم الأجر والمثوبة، لقد ربيتم فأحسنتم التربية، وقدمتم لوطنكم رجالاً أفذاذاً أبطالاً سارعوا إلى تلبية نداء الواجب، وقدموا أرواحهم ودماءهم في ذلك، ولقد أثبتم أنتم معدنكم الأصيل في ثباتكم وكلماتكم التي نفخر بها جميعاً.

فها هي والدة الشهيد طارق الشحي، رحمه الله، تقول في رسالة تواسي فيها أم الشهيد سيف الفلاسي رحمه الله: «لست أدري ماذا أكتب إليكِ: معزية أم مهنئة، فقلوبنا وأرواحنا وإن بكت فإنه بكاء الفخر والاعتزاز بأبنائنا الشهداء».

ويقول والد الشهيد عبد العزيز الكعبي رحمه الله: «إنني ربيت أولادي جميعاً لمثل هذا اليوم، وعلى حب الوطن والوفاء له ولقيادته، وأنا أتقبل التهاني وليس العزاء».

الرسالة الثانية إلى قواتنا المسلحة الأبية، فأقول لهم: لقد أديتم -ولا تزالون- واجبكم، وسطرتم صفحات مجيدة بعزمكم وصمودكم وتفانيكم في أداء مهامكم، وأثبتم للعالم أجمع أنكم على قدر المسؤولية، وأنكم حماة هذه الديار وخير سند وعون لأشقائكم، وأنكم ماضون لتحقيق السلام والوئام، فبارك الله في مساعيكم، وسدد على الحق خطاكم، وامضوا في مسيرتكم المباركة، متسلحين بالإيمان والعزم، ملبين أوامر قيادتكم الرشيدة على أكمل وجه، متوجين بإذن الله تعالى بالنصر والشرف والعز في الدنيا، والأجر والمثوبة والدرجات العالية في الآخرة.

الرسالة الثالثة، إلى أبناء مجتمعنا الوفي، فأقول لهم: لقد ضربتم أروع الأمثلة في وحدتكم وترابطكم ووقوفكم مع قيادتكم الرشيدة وقواتكم المسلحة في السراء والضراء، حتى أصبحتم نموذجاً فريداً للبيت المتوحد والنسيج المترابط، مسارعين إلى تلبية قول الحق سبحانه: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، وها هي مواقع التواصل الاجتماعي تزخر بكلماتكم الرائعة المؤثرة في وداع شهدائكم تقبلهم الله جميعا، فبارك الله في وحدتكم، وأدام عليكم الخير والعز والسؤدد.

الرسالة الرابعة: إلى الحاقدين المتربصين، إلى كل من تسول له نفسه المساس بأمن دولتنا أو ضرب استقرار منطقتنا أو الإساءة إلى أشقائنا، فأقول لهم: لا تحلموا ببلوغ مرادكم، فإن صفوفنا متراصة، ووحدتنا متينة، وأعيننا يقظة، وعزائمنا لا تكل، وسواعدنا لا تلين، وأبطالنا لا يشق لهم غبار، وكلهم لكم بالمرصاد في كل مضمار، سواء أبطالنا في القوات المسلحة أو الأجهزة الشرطية والأمنية أو علماؤنا ومثقفونا وكافة أفراد مجتمعنا صغارا وكبارا رجالا ونساء، فكلهم جنود مرابطون في مسيرة تحقيق السلام والاستقرار، فاعرفوا قدركم، وعودوا إلى رشدكم.