إذا ما كانت المقارنة جائزة لصراعات ما بعد «الربيع العربي» وتداعياتها ومحاولات تسويتها وصولاً إلى حلول سلمية، فلا مبالغة في التأكيد على أن الأزمة الليبية تشهد أكبر قدر من الجدية في سبيل عودة الهدوء والاستقرار لهذه الدولة الممزقة.
على عكس الأزمة اليمنية المعقدة بشدة والأوضاع في سوريا التي أخذت شكل الحرب الأهلية الصريحة، وباتت التسوية السلمية في البلدين على ضوء ذلك بحاجة إلى ما يشبه المعجزة، تحظى الأزمة الليبية - برغم كل مصاعبها وتعقيداتها ومخاطرها - باهتمام دولي وإقليمي كبير.
ولاتزال هناك رغبة واضحة في استمرار التفاوض من أجل التسوية. وليس أدل على ذلك من ضغط المجتمع الدولي على الأطراف المتصارعة لإيجاد حل توافقي للأزمة، وسط محاولات مكثفة لإنجاح الحوار الذي أسفر أخيراً عن اتفاق الصخيرات الذي أعلن عنه المبعوث الأممي برناردينو ليون.
وهناك الآن وفي ضوء هذا الاتفاق ما يشبه خريطة طريق للتسوية بالتأكيد على أنه ليس هناك حل عسكري للأزمة، وضرورة وقف القتال لإيجاد مناخ إيجابي وسلمي من أجل تسوية تشمل الجميع، وتفعيل قرار مجلس الأمن رقم 2174 بشأن فرض عقوبات على الذين يهددون السلم أو الاستقرار أو يقوضون إتمام عملية الانتقال السياسي والديمقراطي.
أغلب الظن أن التدخلات العالمية في الأزمة الليبية هي التي أدت وتؤدي إلى تفاقمها وتدهورها، ولكن المفارقة أنها أيضاً هي التي ستسهل التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة واتفاق بين الفرقاء شريطة التخلي عن الهوى السياسي الذاتي، وإعلاء شأن المصالح الوطنية الليبية العليا.
بعض الدوائر ترى أن سبب التمزق يعود إلى دعم واسع تقدمه أطراف إقليمية إلى فجر ليبيا والتنظيمات المنتمية لما يسمى بالإسلام السياسي (وكلاء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في ليبيا وعلى رأسهم المؤتمر الوطني المنتهية ولايته)، وخاصة تلك التي اكتسبت نفوذاً متنامياً منذ انطلاق «ثورة السابع عشر من فبراير».
النتائج كانت كارثية بكل المقاييس، حيث تم الهدم ولم يبدأ البناء، وترك الغرب ليبيا فريسة للتناحر الأهلي.
أهم ما جاء في الدراسة أن العديد من المعلقين أشادوا بتدخل حلف الناتو في ليبيا عام 2011 بوصفه نجاحاً للإنسانية في تجنب حمام دم في بنغازي، ثاني أكبر مدينة في هذا البلد، والمساعدة على القضاء على نظام القذافي الديكتاتوري. ويقول أنصار التدخل إنه يوضح كيفية النجاح في تطبيق المبدأ الإنساني المعروف باسم مسؤولية الحماية.
هناك مؤشرات أو بدايات قد تمثل صحوة ضمير متأخرة للدول الغربية نتيجة آلاف الجثث التي تغوص في أعماق البحر المتوسط، على إثر غرق مراكب الهجرة غير الشرعية في الأشهر الماضية، وباتت تمثل وصمة عار في جبين الدول الأوروبية.
ولا يعني ذلك أن صحوة الضمير الغربية المنتظرة هي نتيجة لدوافع أخلاقية أو إنسانية، وإنما نتيجة مصالح نفعية فحسب، فهي ترغب في وقف هذه الظاهرة وتجنب مخاطرها وانعكاساتها السلبية على المجتمع الأوروبي، ما دفعها للبحث عن الحلول وعلى رأسها محاولات تسوية الأزمة الليبية التي يرى الغرب أنها ستكون مصدر خطر جسيم عليه وأنها مصدر أساسي لتفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
ومن ثم فقد تمثل التحركات الأوروبية والأممية لدعم اتفاق الصخيرات بداية لمعالجة أخطاء وخطايا الماضي التي ارتكبها الأطلسي، وهي تحركات محمودة، ولكن لا تزال الأزمة الليبية في حاجة لمزيد من الجهود والضغوط كي يتحقق السلام والاستقرار بعد سنوات من الدمار والاحتراب الأهلي.
* كاتب مصري