عندما أعلن قطب العقارات والشخصية التلفزيونية، دونالد ترامب، عن نيّته الترشح لرئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة الأميركية، لم يؤخَذ هذا الأمر على محمل الجد.

فقد كان هناك ميل إلى الاعتقاد بأن خطوته تلك ليست أكثر من مجرد مسعى للفت الأنظار إليه.

وقد اغتنم المصطادون في الماء العكر في وسائل الإعلام، الفرصة لانتقاده، فانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الدعابات عن شخصيته الأكبر من الحياة.

صحيحٌ القول بأن ترامب لا يتطابق مع القالب الرئاسي المعهود، سواء في شخصيته أو ميله إلى التكلّم بجرأة وصراحة أو خلفيته المنوّعة، لكنه أمر جدير بالاهتمام.

يتطابق آل بوش وآل كلينتون وأوباما مع القالب المعهود، لناحية تلقّيهم تحصيلهم العلمي في جامعات النخبة ومسيراتهم المهنية الحافلة، لكن جميعهم ورّطوا الولايات المتحدة في نزاعات غير ضرورية ترتّبت عنها كلفة باهظة على البلاد على المستويَين البشري والمادي.

وقد تسبّب أوباما على وجه الخصوص بإضعاف ما كان يُعتبَر سابقاً مركز الثقل الاقتصادي والسياسي الأكثر نجاحاً في العالم، من خلال تردّده وضعفه في اتخاذ القرارات، الأمر الذي أثار نفور عدد كبير من الدول التي كانت حتى تاريخه من الحلفاء الأشد ولاءً للولايات المتحدة.

ربما يتمتع بفطنة استثنائية، فهو مفكّر في طبيعته، لكن أكثر ما تحتاج إليه الولايات المتحدة هو شخص مقدام لا يهاب التحرّك والتنفيذ على الأرض؛ شخص مستعد ليقرن القول بالفعل.

لم تعد أميركا مصدر إلهام للعالم ولا مثالاً يُحتذى به.

منتقدو أوباما يتّهمونه بأنه يقود البلاد من الخلف.

إنهم على حق! إن كان هناك من أحد يجب تحميله المسؤولية في صعود تنظيم داعش والفوضى الشديدة التي يعاني منها الشعب السوري، فالرئيس أوباما يأتي حتماً في صدارة القائمة.

فهو يضع عصابة على عينَيه عندما يكون ذلك مناسباً له، وأسوأ من ذلك، عندما وقّع الاتفاق النووي مع إيران، جعل الشرق الأوسط والخليج في مهب خطر كبير يتهدّدهما من جراء منح إيران التمكين والشرعية وتعزيز إمكاناتها المادّية.

لقد رمى عرض الحائط بآمال الشعب الفلسطيني من خلال وعوده التي لم تتحقّق، وعلى الرغم من أنه كان في السابق ناشطاً في حركة الحقوق المدنية، إلا أنه لم يفعل شيئاً لاستئصال العنصرية المؤسسية التي، وعلى العكس تماماً، تفاقمت في عهده.

يتفوّهون جميعهم بالأشياء المناسبة، بما تريد أميركا سماعه، لكن ما إن تطأ أقدامهم أرض المكتب البيضاوي حتى يضربوا عرض الحائط بتعهداتهم ويصبحوا مثل سلفهم، لا سيما في ما يختص بالسياسة الخارجية. يتحوّلون جميعاً من دون استثناء، أعضاء مأجورين في المؤسسة ينقادون خلف التأثير الذي تمارسه مجموعات اللوبي والشركات وفاحشو الثراء الذين تحرّكهم مآرب شخصية.

لا شيء يضمن بأن ترامب، في حال وصوله إلى الرئاسة، لن يفعل الشيء نفسه، لكنه برهن حتى الآن أنه صاحب موقف قادر على التغاضي عن الانتقادات. لا يستطيع أحد اتهامه بعدم التمسّك بالمبادئ التي يؤمن بها بشدة، وهو يؤمن باستعادة مكانة بلاده كقوة عظمى. إنه شجاع وقوي العزيمة، والأهم من ذلك، إنه مواطن أميركي بكل ما للكلمة من معنى.

لقد ضاق الأميركيون ذرعاً بالخطب المنمّقة والنظريات الفكرية والوعود الفارغة. حان الوقت كي يبدأ الناخبون بالتدقيق في المرشحين للرئاسة من خلال منظار جديد جدّي وإيجابي وموضوعي. يجب أن يتوقّف الأميركيون عن الحكم على ظاهر الأشخاص وأن يغوصوا أكثر في باطن الأمور لمعرفة من يملك الجوهر الضروري وكذلك تجارب في الحياة.

أعتقد أن دونالد ترامب قد يكون ذلك الشخص - وهذا ما يعتقده أيضاً عدد كبير من الناخبين الجمهوريين على ما يبدو. فقد كشف استطلاع أجرته جامعة مونماوث أنه يتقدّم حالياً بأكثر من نسبة اثنين إلى واحد على منافسه الأقرب للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، جيب بوش. وفي الوقت نفسه، يتراجع الدعم الديمقراطي لهيلاري كلينتون.

قبل أن يرفع ترامب يده ليقول، أنا موجود، كانت عائلتا بوش وكلينتون تسيطران على الساحة في موضوع الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهذا استهزاءٌ بالديمقراطية بالنسبة إلينا نحن الذين ننظر من الخارج. يستخدم المرشحون أموالاً عائلية طائلة، ويستغلّون اسم العائلة والروابط الواسعة مع الدوائر الداخلية والشركات، ولا يكترثون لفكرة المنافسة على قدم من المساواة. لا تستطيع أميركا أن تتوقّع الكثير لا من هيلاري كلينتون ولا من جيب بوش، فكلاهما وجهان للعملة نفسها.

ثم ظهر دونالد ليُقدّم دليلاً حياً على أن هناك خيارات أخرى متاحة. تتحدّر غالبية الرؤساء الأميركيين من خلفيات محظيّة ومنعزلة؛ وكان عدد كبير منهم يعمل في مهنة المحاماة؛ وقلّة منهم تمتّعت بحنكة حقيقية في الأعمال، وفي حال كان لديها شيء من هذه الحنكة، فهي لا تضاهي بالتأكيد ما يتمتع به ترامب من رصيد حافل.

إنه خبير في الشؤون الاستراتيجية يتمتع بدهاء شديد في مجال الأعمال، وأكثر ما يعجبني فيه هو نهوضه منتصراً من كبوته بعد تعرّضه للانتكاسات مراراً وتكراراً. ربما لا يحمل اسم عائلة منمقاً أو ربما لا يتلقّى دعوات للمشاركة في الأمسيات السياسية في هامبتونز، لكنه يتمتع بالدراية الاقتصادية وتربطه علاقات قوية بقادة العالم وعمالقة الاقتصاد.

المال قوة، والاقتصادات الذكية والسليمة هي التي تولّد المال. والأشخاص على غرار ترامب يعرفون كيف يجنون المال. المطلوب لإنقاذ هذه الدولة العظيمة هو رجل أعمال ذو رصيد مشهود له؛ شخص لن يستسلم حتى «تصبح أميركا دولة عظمى من جديد». في الحقيقة، لا أعرف ترامب شخصياً، لكنني أعرف ما يكفي لأكون على اقتناع بأنه هو الشخص المناسب للمنصب.

يحتاج الأميركيون إلى إيجاد فرص العمل، وتحسُّن مستويات المعيشة، والقروض للأعمال الصغيرة، والاستثمار في البنى التحتية في وقتٍ تعاني فيه مدن بكاملها من الإخفاق الاقتصادي التام. ويريدون قبل كل شيء أن يستمتعوا بثمار اقتصادٍ سليم ومعافى. لقد جرّبوا الخطباء اللامعين الذين يطلقون وعوداً مثالية أو يعلنون عن سياسات غير قابلة للتنفيذ، والذين فشلوا في أن يُعيدوا لأميركا مجدها الغابر.

لقد وعد أوباما بالتغيير ولم يفِ بوعده لأنه على الرغم من أنه بدأ مسيرته السياسية بذهنية ثورية في مسائل عدّة، داس على مبادئه الخاصة للوصول إلى القمة، وعندما بلغها، كان أضعف من أن يهزّ سفينة المؤسسة القائمة. أما ترامب فما يقوله هو بالضبط ما يفعله.

نعم، معروف عنه أنه يكون قاسياً في كلامه عندما يقول الأمور كما هي - أو كما يراها - لكن في رأيي، هذه واحدة من أعظم مزاياه. يقول ما يفكّر فيه؛ يتبع قلبه في ما يعتبره الأفضل لبلاده، بغض النظر عما يعتقده الآخرون. إنه مناضل وسوف يناضل من أجل أميركا في حال سنحت له الفرصة.

وهو قاسٍ لا يرحم. فقد أعلم الحزب الجمهوري أنه في حال لم يرشّحه للرئاسة، سوف يخوض السباق كمرشح مستقل، وبالتالي سوف يتسبّب بانقسام الأصوات الجمهورية لمصلحة الديمقراطيين.

لقد قالها بنفسه: «أحب أميركا. وعندما تحب شيئاً، تحميه بشغف، وحتى بضراوة. نحن أعظم بلد عرفه العالم على الإطلاق. لن أقدّم اعتذارات عن حبّي لهذا البلد، أو اعتزازي به، أو رغبتي في رؤيته يصبح قوياً وثرياً من جديد».

وقال ترامب أيضاً: «الثروة تغذّي حريتنا». إنه محقّ تماماً. لا يسعني سوى أن أنصح الناخبين الأميركيين برفض الأثرياء الذين يحملون شهادات منمّقة والذين ورثوا أسماء معروفة، وباختيار شخص يعتز بآثار الندوب التي أصيب بها خلال معاركه ونضالاته في الحياة، شخص تخطّى كل التحديات وخرج منتصراً. فلنواجه الأمر! أميركا هي الآن بأمس الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى رابح حقيقي في البيت الأبيض.