قال رئيس جنوب أفريقيا الراحل، نيلسون مانديلا: «التعليم هو أمضى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم». إنه محق تماماً في كلامه، لكنني أضيف إلى التعليم صفة «العالي الجودة».
وأقصد بذلك منظومة تتيح للطلاب حل المعضلات، والتفكير بطريقة مستقلة، بدلاً من التعلم عن طريق الحفظ عن ظهر قلب كما كان يحدث في أيامي عندما كانت هناك حفنة من المدارس في جميع الإمارات (التي كانت تُعرَف آنذاك بالإمارات المتصالحة) ولم تكن هناك آنذاك أي كلية أو جامعة.
في ذلك الوقت، غالباً ما كانت العائلات المقتدرة ترسل أبناءها الذين حصلوا على المراحل المتقدمة من التعليم الأساسي، إلى المدارس والجامعات في الخارج. أما اليوم فتضم الإمارات مئات المراكز التعليمية المتقدمة، سواء العامة منها أو الخاصة والتي تؤمّن للطلاب مختلف الاختصاصات التي يمكن أن تخطر في البال، مع إطلاق مقررات تخصصية جديدة في كل عام.
يساهم التعليم الصحيح في قولبة العقول الشابة سريعة التأثّر، وإلهامها ليصبح الإنسان أفضل ما يكون على المستويَين الشخصي والاجتماعي. لا أحد يدرك قيمة التعليم أكثر منّي، لذلك افتتحت مدارس، ويسعدني كثيراً أن أساهم في تمويل العديد من المشاريع والأنشطة الجامعية في الداخل والخارج.
لا تتعدّى نسبة الأمية في الإمارات العربية المتحدة حالياً الواحد في المئة، وذلك لأن التعليم يأتي في أعلى قائمة الأولويات؛ فنحو 22 في المئة من الإنفاق الحكومي السنوي يُخصَّص للتعليم الرسمي. وهذا يعتبر، بالمقارنة مع عام 1975، إنجازاً كبيراً جداً نظراً إلى أن 54 في المئة من الرجال و31 في المئة من النساء فقط كانوا يجيدون القراءة والكتابة آنذاك.
التعليم إلزامي ابتداءً من سن الخامسة، كما أن المؤسسات الحكومية تؤمّنه مجاناً للمواطنين الإماراتيين الذين يمكنهم أيضاً أن يختاروا متابعة تحصيلهم الجامعي في الخارج، مع تكفُّل الحكومة تسديد المصاريف كافة.
أعتزّ بأن الشابات في بلادنا حطّمن الأفكار النمطية الغربية التي تصوّر الفتيات العربيات بأنهن مضطهدات وغير مثقّفات ويتعرّضن للتمييز في مكان العمل. قد تفاجأون إذا علمتم أن الطالبات يتفوّقن عدداً على الطلاب الذكور في الجامعات، وأن الخرّيجات يقدّمن مساهمات قيّمة في جميع الميادين تقريباً - الحكومة والصحة والهندسة والعلوم والقانون والإعلام وتكنولوجيا المعلومات والطاقة والطيران. تشغل النساء ثلث الوظائف في القطاع العام، وسبعة مقاعد في المجلس الوطني الاتحادي، وتشارك خمس سيدات في صناعة القرار في الحكومة.
يتمتع شبابنا بمواهب مميّزة جداً، وحب متأصّل لبلادهم، مما يجعلهم متحمّسين لخدمتها بكل الطرق المتاحة لهم. يستمتعون بالسفر للاطلاع على الثقافات الأخرى، لكن قلّة منهم ترغب في العيش في بلد آخر بصورة دائمة. معظمهم يجيدون لغات عدة، ومطّلعون على ما يجري في العالم من حولهم، ويسعون جاهدين ليكونوا السبّاقين.
أشعر بسعادة غامرة عندما أكون محاطاً بأحفادي وأراهم مفعمين حماسةً وأفكاراً. الأمر الرائع لدى شبابنا ذوي الأفكار العصرية هو أنهم يتمسّكون بقيمنا التقليدية وبأهمية الحفاظ على عائلة موحّدة ومتماسكة.
كذلك يزدهر التعليم الخاص في الإمارات العربية المتحدة، بتحفيز من المغتربين في شكل أساسي. حيث إن هناك أكثر من 160 مدرسة خاصة في دبي وحدها معتمدة من وزارة التربية والتعليم، وتقدّم للطلاب من 186 جنسية مختلفة إمكانية الاختيار بين المنهاج الدراسي الوزاري أو البريطاني أو الأمريكي أو الألماني أو الفرنسي أو الروسي أو الهندي أو الياباني أو الكندي.
تشير التقديرات، بحسب دراسة وضعتها «هيئة المعرفة والتنمية البشرية» بعنوان «مشهد التعليم الخاص في دبي»، إلى أن إجمالي الإيرادات التي تحقّقها المدارس الخاصة مجتمعةً يصل إلى 4.7 مليارات درهم سنوياً. وتنشر الهيئة تصنيفاً لهذه المدارس سنوياً وفقاً للتوصيفات التالية: «ممتاز»، «جيد»، «مقبول» أو «غير مرضٍ»، وذلك بهدف إبقائها في حالة مستمرة من الجهوزية والتحسين، ومساعدة أولياء الأمور على الاختيار الأمثل لتلك المدارس.
تُحدّد الدراسة 45 مؤسسة للتعليم العالي في دبي مقسَّمة إلى أربعة أنواع - اتحادية ودولية ومحلية ومهنية - وتسلّط الضوء على الجامعات الدولية التي تقدّم شهادة معتمدة من المؤسسة الأم.
تتواجد جامعات دولية عدّة معاً في المناطق الحرة، مثل مدينة دبي الأكاديمية الدولية التي تأسست عام 2007 بهدف تعزيز الاقتصاد المعرفي في البلاد. تضم هذه المدينة عشرين جامعة يفوق عدد طلابها التسعة آلاف. ومن هذه المناطق أيضاً قرية المعرفة. كما وتضم أبوظبي جامعة باريس سوربون المرموقة، وأكاديمية نيويورك للأفلام. لم يجد طلاب الإجازات في جامعة نيويورك - أبوظبي شيئاً ليتذمّروا منه سوى أنهم «مدلّلون جداً» ويعيشون في مجمّع سكني فخم أشبه بالمنتجع على بعد مسافة قصيرة من الحرم الجامعي سيراً على الأقدام.
يستطيع الطلاب الراغبون في التخصص في الطب الدراسة في كلية هارفرد الطبية في دبي التي تقدّم منحاً جزئية محدودة، وهي في صدد إقامة شراكة مع مدينة دبي الطبية لفتح مركز للتدريب والأبحاث. وبإمكان رواد الأعمال الشباب أن يختاروا من مجموعة واسعة من كليات إدارة الأعمال وسط مناخ موجّه نحو الأعمال ومنفتح على المشاريع الإبداعية الجديدة.
تسير الإمارات العربية المتحدة بخطى واثقة نحو أن التحوّل إلى الوجهة التعليمية الأولى في المنطقة. ليت الفرص التعليمية المتاحة اليوم كانت متوافرة لي... لكن مجدداً، وعلى غرار عدد كبير من أقراني الذين نشأوا في أجواء من القحط الدراسي، لم يكن نصيبي الفشل في نهاية المطاف. التعليم حقاً أداة مهمة لتمكين الإنسان خلال مسيرته في هذه الحياة، لكن في غياب العزم والاجتهاد في العمل والانضباط الذاتي وقوة الشخصية، يفقد التعليم وهجه وتأثيره. هذه رسالتي إلى شباب بلادي: يجب أن تترافق المعرفة مع الإنجاز من أجل توليد الطاقة التي تقودكم إلى النجاح.