لم تكن الحملة الضارية التي شنتها وسائل الإعلام الصهيونية بأميركا على مصر في الأيام الماضية صدفة، ولم تأت حباً في الديمقراطية التي يزعمون الدفاع عنها، ولا من فرط الغرام بحقوق الإنسان التي داستها أميركا بالأقدام على مر السنين كلما تصادمت مع مصالحها .. ومصالحها فقط!
الحملة في الإعلام الأميركي تزامنت مع حدثين مهمين:
الأول: احتفال مصر بنجاحها الرائع في شق الفرع الجديد لقناة السويس الذي يضاعف من طاقة القناة على استيعاب السفن المارة بها، ويقلل من ساعات العبور وتكلفته، ويعظم من قدرة القناة المصرية على المنافسة، ويقتل أي أوهام لخلق بدائل من جانب قوى أخرى معادية مثل إسرائيل!!
الأمر الثاني: كان الفشل الذريع الذي لاقته دعوة بقايا جماعة «الإخوان» لإثارة الاضطرابات وممارسة القتل والتدمير في ذكرى أحداث «رابعة العدوية» التي اعترفوا بأنفسهم أخيراً أنها لم تكن إلا وسيلة للضغط من أجل التفاوض، أو فعل خيانة وطنية لأنها كانت تستهدف ـ كما قال الإرهابي العجوز عاصم عبد الماجد ـ محاولة إحداث انقسام داخل جيش مصر الوطني.
مع الحدثين .. كان طبيعياً أن تزداد ثقة شعب مصر بقدراته على الإنجاز .. سواء في بناء الوطن من جديد، أو في اجتثاث الإرهاب من جذوره، وكان طبيعياً أيضاً أن تتفاقم حالة اليأس والخلافات الداخلية والانشقاقات داخل جماعة الإخوان وفروعها وتفرعاتها من جماعات الإرهاب الأخرى التي خرجت جميعها من عباءتها، ومن فكرها التكفيري، وإرهابها الذي ولد مع نشأتها قبل أكثر من ثمانين عاماً!
في هذا التوقيت بالذات تأتي الحملة على مصر لتكون رسالة إلى الإخوان بأن هناك من لا يزال يؤيدهم ويراهن عليهم رغم الفشل وسقوط الأقنعة عن جماعة لم تعرف إلا الإرهاب والقتل والتدمير وخيانة الوطن .. ومع ذلك ما زال البعض في أميركا يقدمهم على أنهم «معتدلون» ومازال بعض الأذناب والذيول التابعة لواشنطن في المنطقة تقول إنهم جماعة وطنية. أيضاً تجيء الحملة الأميركية المشبوهة والمغرضة لتكشف عن عداء أصيل لثورة مصر وللنظام الذي أسقط حكم الإخوان الفاشي، ويريد أن يبني مصر مستقلة الإرادة قوية الحضور في المشهد الذي يراد فيه أن تغيب بينما يجري تقسيم الوطن العربي إلى أشلاء.
بدأت الحملة من الإعلام بالهجوم على مشروع القناة ومحاولة التقليل من قيمته. ومع الفارق، فإن الهجوم على قناة السويس الجديدة يريد أن يقول للمصريين إن ما فعلوه لا يستحق الفخر، وأن المشروع الذي تبدأ به مصر خطتها الطموحة لتحويل منطقة القناة إلى أساس لنهوض مصر صناعياً واقتصادياً هو مشروع محدود الأثر!!
ثم يكتمل المخطط حين تمتد الحملة الصحافية المشبوهة ـ وفي توقيت متزامن ـ إلى الحديث عن أن سيناء قد تحولت إلى مستوطنة لـ«داعش» وتؤخذ حادثة اختطاف المهندس الأوكراني وظهور فيديو يزعم إعدامه على يد داعش، على أنها دليل على خروج سيناء من سلطة الدولة المصرية (!!) دون أن يقول من يروجون ذلك شيئاً عن حوادث إرهاب عصفت بباريس ولندن ومدريد وضربت قلب الولايات المتحدة نفسها. دون أن يعتبر ذلك دليلاً على انهيار هذه الدول بل على إجرام إرهاب يتلقى الدعم من جهات يعرفونها جيداً، ويعرفون أين تدربت؟ ومن يمولها؟ ومن يستخدمها لتنفيذ مخططاته؟! أما في سيناء فيكون المطلوب سحب القوات المتعددة الجنسية لإعطاء الانطباع بأن الأوضاع في سيناء غير مستقرة على غير الحقيقة التي يعرفونها جيداً!
ثم تصدر مصر قانوناً لمكافحة الإرهاب، فتبدأ الحملة عليه قبل قراءته، ودون أن يكلف هؤلاء أنفسهم بالمقارنة بين القانون الذي صدر في مصر وهي تواجه حرباً حقيقية من عصابات الإرهاب، وبين ما فعلته أميركا نفسها حين تعرضت لأحداث 11 سبتمبر، ففتحت السجون «مثل جواتيمالا» للمعتقلين دون محاكمة وفرضت الرقابة والتجسس على المواطنين، ووضعت المسلمين جميعاً قيد الاشتباه، ولجأت للمحاكم العسكرية، ثم شنت حروبها الظالمة وغير المبررة لتدمير العراق وتتسبب في قتل مليون من أبنائه .. ثم تلقي المحاضرات في حقوق الإنسان!!
وها هي منظمة العفو الدولية التي لم تتوقف عن حملاتها غير العادلة ضد مصر تكشفها فضيحة الست ياسمين التي نشرتها صحيفة «التايمز» البريطانية والتي كشفت أن السيدة التي وقفت وراء العديد من التقارير المنحازة ضد مصر والتي ترأس «قسم العقيدة وحقوق الإنسان» بالمنظمة التي تدعي الحياد التام كانت على علاقات خاصة بالإخوان، وأنها نزلت في بيت عائلة إخوانية عريقة أثناء زيارتها لمصر كان الأب فيها مستشاراً للتعليم أثناء حكم الإخوان، بينما كان الابن سكرتيراً للرئيس المعزول مرسي للشؤون الخارجية، الأخت ياسمين تناولت العشاء وباتت ليلتها مع الأسرة الإخوانية وأرسلت تقاريرها (الموضوعية جداً والمحايدة للغاية) إلى المنظمة التي تقول إنها لم تعلم شيئاً عن هذه العلاقة ولا تعرف أن الست ياسمين، هي زوجة وائل مصباح الإخواني والحاصل على الجنسية البريطانية والذي حوكم في الإمارات بتهمة التآمر ومحاولة الانقلاب مع 60 من عملاء الجماعة الإرهابية!!
ويبقى الأهم .. إنه في الوقت الذي كانت هذه الحملة المغرضة تتصاعد في محاولة لإشعار «الإخوان» أن فشلهم ليس نهائياً، وأن هناك في أميركا وذيولها في المنطقة والعالم من يدعمهم .. وفي الوقت الذي كان يجري الكذب على العالم بادعاء ازدياد سطوة «داعش» في سيناء مع أنها مهزومة بالثلاثة .. في الوقت نفسه الذي يجري العمل على قدم وساق لتمكين «داعش» من السيطرة على مدينة سرت المهمة في ليبيا وتكوين قاعدة انطلاق تهدد الجبهة الغربية لمصر.
وكانت هناك خلايا بالفعل تتسلل إلى منطقة واحة سيوة لتسحقها قوات الجيش بعد ذلك وقبل أن يجتمع مجلس الجامعة العربية ويتخذ موقفاً وسطاً (!!) لمواجهة الخطر الداعشي الذي يتفاقم في ليبيا، والذي كانت بعض الأطراف العربية والدولية داعمة له (!!).