تشهد منطقة الشرق الأوسط حالياً متغيرات سريعة وعنيفة تنعكس على منطقة الخليج العربي وتؤثر على الاستقرار والسلم الدوليين، هذه المتغيرات تعد بالنسبة للخليج تحدياً على كل الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية وسوف يكون لها تأثير كبير على أمن الخليج في المستقبل، فالاتفاق الإيراني - الأميركي والأزمة اليمنية والسورية والأوضاع في مصر والعراق وليبيا وبعض النقاط الساخنة وملفات الإرهاب والتنظيمات المسلحة جميعها ملفات تحمل تباشير تغيرات جوهرية سوف تؤثر على الخليج وأمنه..

ولكن ما هي الاستراتيجيات التي تتبناها دول الخليج لمواجهة تلك الملفات؟ وكيف ستواجه دول الخليج التحديات والمخاطر الناتجة عن تلك الأوضاع وكيف سوف تتعاطى معها مستقبلاً؟ وما هي فرص التعاون مع القوى الدولية الأخرى من أجل إيجاد الحلول الكفيلة للخروج من نفق بعض الأزمات المزمنة أو التخفيف من آثارها؟

منذ مطلع الألفية الثالثة ودول الخليج لاعب أساسي في رسم الاستراتيجيات المتعلقة بإقليم الشرق الأوسط بحكم موقع الخليج وثروته الاقتصادية والكثير من العوامل الأخرى التي هيأت لدول الخليج أن تكون لاعباً مهماً ومؤثراً على سير الأحداث وفي رسم الاستراتيجيات المستقبلية للشرق الأوسط..

ومما ساعد الخليج على القيام بهذا الدور المحورى هو أوضاع بلدان الربيع العربي والتغيرات التي طالت أنظمة حكمه في أعقاب الثورات العربية، ففي الوقت الذي كانت فيه معظم بلدان الربيع العربي تشهد تغيرات جيوسياسية جعلت منها منطقة غير مستقرة كان الخليج مستقراً سياسياً واقتصادياً الأمر الذي جعله قادراً على التأثير على جواره..

في الوقت ذاته عملت دول الخليج مع شركاء دوليين في تحقيق الاستقرار في العديد من البقع الساخنة مثل ليبيا وسوريا والعراق وغيرها، ومؤخراً شهد الخليج انفتاحاً كبيراً على قوى أخرى قادرة على التأثير على الساحة الدولية، فانفتاح الخليج على روسيا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه هو في واقع الأمر إشارة قوية ترسلها دول الخليج إلى الولايات المتحدة تحديداً،..

وكانت الولايات المتحدة قد انفردت لفترة طويلة بتحديد مصائر العديد من بلدان الشرق الأوسط وكانت هي القوة الوحيدة المؤثرة على سير الأحداث فيه، دخول روسيا يعني أن هناك تغيراً جيوسياسياً قادماً لا محال لا سيما وأن العديد من القوى الإقليمية في الشرق الأوسط قد أدركت أهمية الدور الروسي بما فيها مصر وسعت إلى توظيفه في إيجاد الحلول لبعض القضايا العالقة وخاصة الأزمة اليمنية والأزمة السورية.

من جانبها هدفت دول الخليج من وراء الاعتماد على روسيا إلى إيجاد نوع من التوازن العالمي بعيداً عن الهيمنة الأميريكية على كل النقاط الساخنة في العالم، فالأزمة السورية والأزمة اليمينة والأوضاع في العراق وليبيا والتنظيمات العسكرية كداعش مثلاً، كل تلك القضايا هي قضايا مؤثرة على أمن الخليج واستقراره تماماً كما هي مؤثرة على الأمن والسلم الدوليين، وما سهل الأمور هو تطابق الرؤية الروسية في هذه المرحلة مع الرؤية الخليجية الأمر الذي سهل التقارب وجعل التوصل إلى حلول قابلة للتطبيق أمراً ممكناً،..

فكل من روسيا ودول الخليج لديهما الرغبة التامة في التحرك السريع وكليهما لديه الرغبة الكبيرة في إيجاد الحلول الشاملة والتي تؤمن الاستقرار في العالم، فقد نجحت روسيا في الوصول إلى توافق مع الأطراف ومنها المعارضة وبالتالي أصبحت روسيا شريكاً مثالياً لدول الخليج في حل المشاكل التي تواجه المنطقة.

إن دول الخليج مهيأة اليوم أكثر من أي وقت مضى لكي تلعب دوراً محورياً على الساحة العالمية ليس فقط بحكم موقعها وثرواتها ولكن بحكم وسطية قيادتها وشعوبها واستعدادها الفطري للمساعدة في إحلال السلام في مناطق العالم الملتهبة. إن منطقة الشرق الأوسط اليوم بحاجة ماسة إلى الدور المعتدل الذي تقوده دول الخليج لإعادة الأمن والاستقرار خاصة وأن الأمن العربي يعد أولوية إقليمية بالنسبة لدول الخليج..

كما أن إقليم الشرق الأوسط بحاجة إلى تحالفات وشراكات متعاونة تعيد الاستقرار إلى الإقليم ولا تؤثر سلباً على استقرار منطقة الخليج العربي. إن العالم بأسره ينظر إلى القوة الصاعدة التي تمثلها دول الخليج باحترام لأنها تمثل قوة متوازنة وليس لها أهداف توسعية وما يهمها هو وحدة واستقرار إقليم الشرق الأوسط لأنه جزء مهم من استقرار منطقة الخليج.