الحق أن لدينا مئات الأصدقاء على صفحات التواصل الاجتماعي الذين نراهم ويروننا للدرجة التي تجعل الفرد يتوهم أنه يستند إلى كيان كبير، والحق كذلك أننا لا نملك أي صداقة حقة، ذلك أن مفهوم الصداقة تغير بفعل ذلك الوافد الجديد أو ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي التي تعطيك إحساساً مزيفاً بأن لك صداقات لا حد لها، غير أنك حين تبحث عن صديق بالمعنى الحقيقي للصداقة ستجد أنك لا تملك غير صداقات وهمية، والزيف يبدأ من الاسم ذاته أو اللقب الذي يطلقه على نفسه، فكيف تكون هناك صداقة حقيقية لا يملك صاحبها شجاعة الإفصاح عن اسمه، وهو ما يؤكد أن القادم أسوأ.

لذا فإن تلك الصداقات التي تنشأ من خلال واقع افتراضي كما تبدأ سريعة بكبسة زر أيضاً تنتهي بكبسة زر، كما أنها غير مكلفة وليس لها تبعات، وتصبح معها الأقوال الحكيمة مثل «الصديق وقت الضيق»، أو «صديقك من صدَقك لا من صدّقك»، أو «رحم الله امرأً أهدى إلى عيوبي»، أو «الرفيق قبل الطريق»، لا محل لها، فهي صداقات على قربها شديدة البعد، وعلى كثرتها تشعر معها دائماً بالوحدة، فأنت وحيد وإن كان لك مئات الصداقات الافتراضية.

والحق أننا نعرف الكثير عن بعضنا البعض افتراضياً، سواء كانت تلك المعارف متعلقة بمجريات الحياة العامة مثل المهن التي يشغلها البعض، أو النشاطات التي يتم ممارستها، أو ما هو متعلق بالشأن الخاص مثل أماكن قضاء الإجازات، أو نوع الأطعمة التي يتم تناولها، أو الأماكن التي يتم زيارتها والهدف منها ومن تم اصطحابه خلالها، للحد الذي يجعلك ترى أن الحق في الخصوصية، والذي تحرص عليه كل الشرائع والقوانين، لا يحرص عليه الكثير من رواد وسائل التواصل رغم أنهم المستهدفين بالحماية على غرار «بيدي لا بيد عمرو».

والحق كذلك أننا لا نعرف عن بعضنا البعض شيئاً، فنحن نتعامل مع صور يرسمها كل فرد لنفسه، فنتعامل مع صور مرسومة لا مع صور مكونة من خلال تجاربنا مع هؤلاء الأصدقاء، وهذا الواقع الذي يصدره البعض عن نفسه هو واقع مصنوع، قد يختلف عن الواقع المعاش، وقد يكون معه على طرفي نقيض، لأنه يمثل الصورة التي يود الفرد أن يكون عليها، أو الطريقة التي يود أن يراه الآخرون عليها، وآية ذلك والشاهد عليه انهيار تلك الصورة، والصدمة حين يحاول البعض أن يتعامل واقعياً مع تلك الصورة التي رسمها الآخرون لأنفسهم خلال شهور ثم ما تلبث أن تنهار في دقائق.

كما أننا نعتقد واهمين أننا نعرف كثيراً من المعلومات عما يحيط بنا من أحداث، ونلاحق الأخبار كمن يركض في مضمار لا خطوط تحدد ممراته ولا نقطة نهاية للوقوف عندها، وننتقل من حدث إلى حدث أقرب منه بحثاً عن الجديد والمزيد بلا هدف أو غاية حتى نسقط مغشياً علينا من العناء والإرهاق، ثم تفتش في داخل عقلك فلا تجد نفسك عرفت شيئاً، غير أنك ازددت تشويشاً وارتباكاً، فمصادر الأخبار غير معروفة في الوقت الذي ندرك فيه أن مصدر الخبر أكبر عامل للحكم على مصداقيته، كما أن طاقتك النفسية والبدنية استهلكت في أخبار ليس لها قيمة حقيقية باعتبار ما يترتب على معرفتها، غير أن الإشكال الأكبر أن تكون أنت المستهدف أن تعيش حالة من الاضطراب الفكري والنفسي وانعدام اليقين لأهداف سامة وغايات رخيصة، وهذا الذي أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في رسالته لأبناء الوطن، موضحاً عجز الحاقدين والحاسدين أو الطامعين أو الأعداء من النيل من سفينة الوطن، فسارت تمخر عباب البحار بثقة واقتدار بعوائل وأسر وقبائل أبناء الإمارات التي ألف الله بين أبنائها وجعلهم على قلب رجل واحد، في الوقت الذي تغرق فيه السفن من حولنا أو توشك على الغرق، أو قد خرقت وستغرق إن لم يتداركها أصحابها، بعد رحمة من الله بهم، وسفينتنا بفضل من الله ورحمة لم يمسها سوء.

إن رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تدفعنا للوقوف يداً بيد وكتفاً بكتف أمام كل طامع أو حاقد أو جاهل يسعى لخرق السفينة، وليكن كل منا باباً يستحيل ولوجوه أمام كل رسالة تحمل حديث إفك، أو طرفة ساذجة أو النيل منا ومن وطننا، وأن نكون على مستوى تضحيات أبنائنا في ميادين الفخر والعزة دفاعاً عن رمال أرضنا. ولأن وسائل التواصل الاجتماعي هي أحد الأشكال التي يساء استخدامها يجب التعامل مع ما يبث من خلالها بمزيد من التيقن والتبصر بعد أن أصبح انعدام اليقين هو العنوان الأكبر لكثير من مضامينها.