كان حكيمٌ من الهنود الحمر يقول لتلميذه: «بداخل كل إنسان يتعارك ذئبان، أحدهما وديعٌ محبٌ للخير، والآخر دمويٌ شرسٌ متعطش للقتل»، فسأله تلميذه: «فمن ينتصر منهما؟»، فرد العجوز: «الذي نُطعِمه أكثر» !

كانت ولا تزال هذه المنطقة في توترٍ شبه دائم، لا لرغبة أهلها المسالمين بذلك وحاشاهم، ولكن لوجود جارٍ ذي نَزَقٍ للإساءات ورغبةٍ مسعورة لفرض وصايته على من حوله بالقوة والمؤامرات، ولئن كانت السنون الماضية مرّت بدرجات توتر ليست عالية، فإنّ الوضع قد تغيّر تماماً الآن وهي حقيقة لا بد أن نعيها، فالأورام السرطانية لذلك الجار تخرج تباعاً بعد أن كانت في مرحلة التهيئة والحضانة، فالبداية بأحداث البحرين الطائفية ومؤامرة قلب نظام الحكم، ثم تبعها التوترات المتتالية في القطيف والتي أرادت خلق ما يعرف بنظرية «كرة الثلج المتدحرجة» من القلاقل فأفشل الله كيدهم، ثم كانت الطامة بكشف خلية العبدلي بالكويت وكميات السلاح الهائلة المخبأة، أسلحةٌ لم تُخبأ من أجل الدفاع عن الوطن الذي «رَبَتْ أكتافهم من خيره» ولكن تحيّناً للفرصة من أجل الغدر به والفتك بأهله، لنعلم أي ذئبٍ يُطعِمُهُ أولئك الطائفيون !

يحدث الَلبس عند الخبيث عندما تتعامل معه بأخلاقك الكريمة فيفهمك وِفْقَ طبْعه اللئيم وخوائه الأخلاقي فلا تجني منه إلا اللؤم والخسة والصَلَف ومزيد من الإساءة، حينها لا يكون هناك من خيار سوى أن يرى غضبةَ الحُر لتعيده إلى حجمه الحقيقي، فالمنجزات تحتاج لتضحيات للحفاظ عليها، وتتسع الحياة وتضيق على الشعوب تبعاً لحجم تضحياتها، وكما يقول المفكر القديم فيغيتوس: «فليتأهب للحرب ذاك الذي ينشد السلام» !

شيّعنا قبل أيام أربعةً من خيرةِ أبنائنا ممن استشهدوا في أرض اليمن، رجالٌ لم تستطع عصابات الحوثيين وعفّاش وأذنابهم الدواعش من مواجهتهم في ميادين النزال، فغدروا بهم كالعادة، رجالٌ سيذكر التاريخ في أنصع صفحاته بأنهم بعد الله من أنقذ جزيرة العرب وأهلها من مؤامرة تتار العصر الحديث، ولئن فتك التتار ببقية شعوب الأرض فإن تتار الحاضر فاقوهم خِسّةً ودموية عندما انقلبوا على من يُفتَرَض أن يكون أهلهم فأعملوا فيهم السيف والزناد، فَوِفْق تقريرٍ صادر عن «المرصد القانوني» فإن الحوثيين ارتكبوا قرابة 2137 جريمة ضد الإنسانية في «إب» وحدها خلال عام واحد بينما يؤكد تقرير «تحالف رصد» الحقوقي ارتكابهم 282 جريمة في «الحديدة» خلال شهر سبتمبر فقط بمعدل عشر جرائم يومياً تقريباً وهو معدل لا ينافسهم فيه سوى نازيّة هتلر وفاشية موسوليني !!

ما يوضّح خِسّة الحوثيين وأسيادهم أصحاب عقيدة تصدير الثورة الشيطانية أنهم يرتكبون الجرائم ضد المدنيين العُزّل ثم يتسللون في الظلام لتتلقّف صور تلك المجازر أيدي المتاجرين بدماء الأبرياء من مدّعي حقوق الإنسان والمثاليات الزائفة ثم تخرج على وسائلهم الإعلامية وأعوانها بأنّ ذلك من غارات قوات التحالف ومن الإمارات والسعودية تحديداً، وهو أمرٌ اعتدنا عليه فقد كشف الله لنا بفتن هذه السنين الخمس كل القلوب المربادّة والأقنعة التي تستر وجه الشيطان!

زيارة وفد الحوثيين قبل أيام لطهران كانت تأكيداً جديداً لمصداقية قوات التحالف عمّن كان يدير هذه العصابات الدموية ومدى تورّط إيران في نشر الفساد والخراب في يمن العرب ويؤكد أيضاً ورطة هذه العصابات بعد هزائمها المتلاحقة أمام قوات التحالف والتي شارفت على استئصالها تماماً بعون الله ليعود اليمن سعيداً كما كان، وكم كان مضحكاً قول علي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني بأن دعم إيران للحوثيين ضد العدوان الخارجي «ويقصد قوات التحالف التي أنقذت اليمن» هو «واجب شرعي وإنساني وأخلاقي» وهذا كالساقطة التي تُعلّم الناس الشرف، فلم تجنِ اليمن تدخل إيران إلا القتل والخراب وظُلمة المستقبل.

إنّ أجندة إيران أجندة تدميرية تخريبية بامتياز، وقد دأب الساسة الإيرانيون على اتباع سياسة «الهروب للأمام» لأشغال الداخل الإيراني المحتقن بتصدير الثورة الدموية الطائفية لبلدان الخليج المسالمة والضرب دوماً على وتر «عقيدة البطل المغدور» المترسخة في الأدبيات الفارسية لِلَمّ شتات الناس حول القائد الذي تتآمر عليه الدنيا بزعمهم، ولكن «طريق صاحب المشكلات ملئ بالأشواك» كما يقول الهنود الحمر، فها هي إيران وأذنابها ومن ساعدها وأعطاها الضوء الأخضر للإفساد بالخفاء يعيدون حساباتهم، فلم تعد جزيرة العرب خاويةً ونُهبةً لمن أراد، فقوات التحالف دخلت للمشهد السياسي كعنصرٍ كاسحٍ في المعادلة الإقليمية وبرهنت أن أراضينا لا تقبل وصايةً أو محاولة تنصيب «شرطي للمنطقة»، فسواعد أبنائها تحميها وقواتها التي ألجمت المتآمرين ومحركيهم لن ترضى أن تطأ قدمٌ أجنبية ترابها الطاهر.

قبل فترة ذكرت الكاتبة باربارا سالفين في مقال نشره موقع «المونيتور» الإخباري - الذي يتخذ من واشنطن مقراً له - إن الولايات المتحدة تحتفظ بـ«علاقة استخباراتية» مع الحوثيين وهو ما أكده مايكل فيكرز مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات مبرراً ذلك بأنها «تناصب القاعدة العداء»، لن ألومك أيها القارئ الكريم إن مسكت رأسك وأنت تتساءل مثلي: «كيف تتعاون معها استخباراتياً وهي ترفع لافتات : الموت لأميركا»، هي تفاصيل صغيرة لنعرف حجم المؤامرة التي كانت تحاك ضدنا خاصة مع تبني داعش لتفجير عدن الأخير والذي أسقط ورقة التوت الأخيرة عن هذا التنظيم العفن وأنه إحدى أدوات الأجندة الإيرانية في المنطقة!

قواتنا واخوتهم في التحالف تستأصل الحوثيين وأعوانهم من القاعدة وداعش بينما يختبئ الإخوان كالعادة منتظرين لحظة النصر ليقفزوا على المسرح كعادتهم أيضاً من أجل سرقة المكتسبات ولكن هيهات فقد تعلّم الجميع «ولا يُفلِحُ الساحرُ حيث أتى»، وقد كُشِفَت كل الأوراق في اليمن، ومن «صدّعونا» سنين طويلة برايات الجهاد المشبوهة انقلبوا على أعقابهم عندما وجِدَ الجهاد الشرعي تحت راية ولي الأمر الشرعي لنستيقن من جديد أنّ خبايا نفوسهم مشبوهة وأنّ المثاليات التي يدّعون لا تعدو أن تكون قناعاً بريئاً يستر وجه الذئب الدموي الذي حذّر منه الحكيم الهندي !