شهد الشرق الأدنى في القرن التاسع عشر، كما نعرف جميعاً، دفقاً من الرحالة الفنانين من الغرب. وساهمت الرومانسية والغرائبية وتاريخ ارتباطات هذه المنطقة بالكتاب المقدس، وتراثها القديم وعمارتها البديعة، ومشاهدها في الجاذبية التي تمتعت بها هذه المنطقة من العالم بالنسبة للفنانين الزوار الأوروبيين.

وكان فرانك ديلون واحداً من العديد من الفنانين الفكتوريين، الذين شهدوا صرح شهرتهم انطلاقاً من الموضوعات الشرقية.

لم يقدر لديلون أن يتمتع بالشهرة ذاتها التي حظي بها الرواد البريطانيون في هذا الميدان، ولكنه كان مساهماً دائباً في معارض لندن، وحظي بشهرة في دوائر النقاد وعلى مدار نصف قرن منذ عام 1850، وحتى سنوات مضت قبل وفاته في عام 1909، كانت أعماله تعلق في الأكاديمية الملكية وغيرها.

وعلق نقاد ذلك العصر، على قوة الملاحظة التي كانت يتمتع بها وعلى تنفيذه الدقيق لأعماله، وإبرازه الشعري لبعض الموضوعات.

ونظر النقاد إلى لوحة معبد فيلة في صعيد مصر، عرضت في المعهد البريطاني في عام 1856، على أنها من بين أفضل أعمال ذلك العام، فليس من هو أكثر تميزاً من ديلون في تصوير المشاهد الشرقية، غير أن جانباً محدداً من أعماله يستحق أن نتذكره، ويتمثل في مجموعة من اللوحات المائية التي تظهر عمارة البيوت في القاهرة الإسلامية.

ولد ديلون في لندن في 24 نوفمبر عام 1823، وكان أبوه نساجاً للحرير توج عمله بالنجاح، واقتنى مجموعة كبيرة من اللوحات النمائية التي أبدعها فنانون إنجليز معاصرون. وكانت رحلته الأولى إلى الخارج إلى البرتغال وماديرا في 1848-1849..

وقد اصطحب معه زوجته وطفلته الصغيرة، وقدمت الرحلة موضوعات صور أول معرضين له في عام 1850، ولمجلد من اللوحات المنفذة بأسلوب الطباعة على الحجر، حمل عنوان اسكتشات في جزيرة أديرا، ونشر في العام نفسه. وقد ارتحل طويلاً في جميع أرجاء أوروبا وشمال أفريقيا وعلى وجه التحديد مصر، ومضى أخيراً إلى اليابان.

ومن بين كل تلك البلاد التي زارها ديلون، فإنه لم يتلق إلهاماً يفوق الذي تلقاه من مصر، وقد عرض 46 موضوعاً مصرياً في الرويال أكاديمي والمعهد البريطاني وحدهما.

زار ديلون مصر للمرة الأولى في شتاء عام 1854 – 1855، وارتحل صعوداً في نهر النيل إلى أسوان، وعاد من هذه الرحلة التي اجتذبت منذ العقد السابق لذلك السياح بأعداد متزايدة.

وتكشف الاسكتشات التي أبدعها واقع أنها أكثر قوة وعفوية، وهي أيضاً أقل تقليدية في موضوعاتها، حيث تصور الحياة المعاصرة بأكثر مما تصور الأطلال القديمة، التي غالباً ما فضلها الفنانون في رحلاتهم النيلية.

قام ديلون برحلات عديدة إلى مصر، واستأجر بيتاً عربياً قرب الجيزة، وعاش هناك بأسلوب شرقي، وربطته عرى الصداقة بالشاب إسكندر بيك الابن الوحيد لسليمان باشا.

كان مولعاً بمنازل القاهرة القديمة، وبعض أعماله التي تصور عمارة البيوت في القاهرة محفوظة في متحف فكتوريا وألبرت في لندن، الذي يضم لوحاته المائية الأقدم التي تصور باب النصر في القاهرة، ومقر القاضي، والعديد من البيوت العربية. وهناك مجموعة من اللوحات المائية التي تصور دوراً عتيقة، قال ديلون إنها دور المملوك رضوان بيك، والمفتي الشيخ المهدي.

وفي رحلته إلى مصر، تمكن ديلون من الوصول إلى دار ثالثة ملوكية الطراز، قال إنها دار الشيخ السادات، وقد اشتهرت أربع لوحات مائية لهذه الدار، تصور الفناء التقليدي، الذي كان يسمى الحوش، والزندرة، وإحدى قاعات الحريم، وقاعة أخرى غير محددة الهوية. تمثل هذه اللوحات المائية أكثر أعمال ديلون تألقاً، وهي بمثابة توصيف مباشر للأجزاء الداخلية والخارجية من بيوت القاهرة العتيقة.