حينما ينظر المرء إلى الخريطة العربية، ويحاول أن يفهم ما يجري على أرضها، لا يمكنه إلا أن يشعر بالأسى والحزن والحسرة لما يجري على أراضيها، لتصبح المنطقة العربية منطقة النزاعات والحروب الأولى في العالم بكامله. سواء كان ذلك في العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا، ناهيك عن القضية المستديمة في فلسطين، ومعاناة شعبها من الاحتلال الإسرائيلي.

ويتساءل المرء، لماذا انطفأ أمل الربيع العربي الذي انطلق نهاية سنة 2010 من تونس، الذي ابتدأ بمطالبة فئات كبيرة من الشعوب بمزيد من الحريات العامة، والمطالبة بالعدالة وسيادة القانون، والقضاء على الفساد، ليتحول إلى جحيم في كثير من الدول العربية، عطلت فيه موجات العنف والإرهاب، الحياة برمتها، وتحيل المجتمعات إلى فوضى عارمة، طغت على مظاهر الحياة العامة في عديد الدول العربية. ويتساءل المرء، لماذا يجري كل هذا فقط في بلادنا، دون بلاد خلق الله الأخرى؟

حيث نشاهد معه، كيف يتم الانهيار في عديد من الدول العربية في كل شيء فيها. الانهيار في القيم، قبل الانهيار الذي لحق في مؤسساتها، والتدمير لكياناتها الاجتماعية، والتفجير لمعالم تاريخها وآثارها ورموزها الدينية.

ويتساءل المرء، لماذا تتقدم كل شعوب الأرض وتحرز خطوات متقدمة على مسارات التنمية، بينما تتراجع في عديد من الدول العربية؟

ومظاهر التراجع تأخذ مجالات عديدة، في التربية والتعليم ومستوى الخدمات الصحية والمواصلات والبنى التحتية المتوفرة للمواطنين من سكان الريف والبادية قبل سكان المدن. يكفي ما نشاهده من دمار لبنى العديد من المدن العربية، جراء الحروب التي تجري، مع همجية المتقاتلين الذين لا يتوانون عن قتل ذويهم وإحراق مدنهم وقراهم. يكفي ما نشاهده من مظاهر هجرات جماعية، وتشريد لملايين الناس، واقتلاعهم من بيوتهم، وما نشاهده من موت جماعي في رحلات البحر نحو أوروبا، هرباً من جحيم الموت في بلادهم، ليلقوا حتفهم في أعماق البحر، أو في ثلاجات الموت، كما حصل في شاحنة النمسا.

لا يمكننا أن نلقي باللائمة في المحنة الكبرى التي نعيشها اليوم على القوى الأجنبية التي تتدخل في شؤوننا، التي تسعى إلى تحقيق مصالحها من خلال الهيمنة على مقدرات بلادنا، ومن خلال فرض أيدلوجياتها.

إن نقطة البداية لفهم ما يجري، يعود إلى نمط حياتنا، وأسلوب تنشئتنا، ونظام المشاركة السياسية في مجتمعاتنا الأبوية. ويعود ذلك إلى افتقادنا للالتزام بالدستور والقانون، وافتقادنا للحرية وللديمقراطية والمشاركة، وافتقادنا في تنشئة تنمي لدينا الاختيار العقلاني الحر، واحترام الآخرين، وتقبل فكرة الاختلاف مع الآخر.

ولعل الحرية هي حجر الأساس في بناء المجتمعات، وللأسف، أن نرى التقهقر في الحريات الإعلامية في الوطن العربي، ما يسير جنباً إلى جنب مع المحنة العربية.

ويشير تقرير حرية الصحافة لعام 2015، إلى تراجع معظم الدول العربية على مقياس درجة الحريات الصحافية في الوطن العربي. ووجد التقرير، أن مجموعة القيود المفروضة على حرية التعبير، تشكل تهديدات واسعة ومتزايدة لحرية وسائل الإعلام، وتشكل تحدياً للوصول غير المقيد إلى المعلومات عن السياسة، والدين، والفساد، والموضوعات الحساسة ذات التأثير المباشر في حياة الناس. وتشكل تعدّياً على قيم الديمقراطية.

ووجد التقرير أن حرية الصحافة في الوطن العربي، قد تراجعت عام 2014، لتصبح نسبة الحرية الإعلامية هي 2 % فقط، والحرية النسبية لها هي 5 %، بينما بلغت نسبة عدم الحرية هي 93 %، وهذه أرقام مفجعة لحرية الإعلام في الوطن العربي.