لا أحد يعرف حتى اليوم، على وجه التأكيد، أصول نسق الكتابة باللغة العربية، وهو النسق الذي استخدم أيضاً في كتابة النصوص الآرامية.

ولم يستخدم الخط الآرامي في اللغات الآرامية وحدها، مثل السريانية، وإنما أيضاً في لغات أخرى كثيرة مثل اللغة الفارسية.

ولأجيال عدة دار نقاش بين الباحثين حول أي اللغات المكتوبة بالخط الآرامي هي المصدر المباشر للخط العربي. ووضعت فرضيتان أساسيتان لتفسير ذلك. ويعتمد تاريخ أول نص مكتوب باللغة العربية في جانب منه على رأي الكاتب بشأن مصدر ذلك الخط.

الرأي الأقدم والأكثر تقليدية وانتشارا هو أن الخط المستخدم للكتابة باللغة العربية أتى من النصوص المكتوبة باللغة الآرامية التي تعود للأنباط. وتمركز الأنباط حول البتراء في جنوبي الأردن، وتكلموا اللغة العربية، ولكن كتبوا بالخط الآرامي. ووصلت مملكتهم إلى أبهى عصورها خلال القرن الثاني الميلادي. إلا أن الخط الآرامي النبطي عرف أيضا من خلال النقوش الأثرية التي تعود إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين. وأشهر النصوص المنقوشة هي تلك التي اكتشفها رينيه دوسو عام 1901 في موقع يطلق عليه اسم النمارة بالقرب من دمشق.

واكتشفت نقوش أخرى تعود إلى القرون القديمة في وقت أحدث تشبه النص العربي، وقد تكون هذه النقوش أول دليل على أصول اللغة العربية. المؤيدون للحروف النبطية يعتبرون هذه النقوش أول دليل على اللغة العربية وعلى الخط العربي. وكان ثيودور نولدكه أول من أعلن هذه النظرية عام 1865. ولخص برنارد موريتز النظرية عام 1910 في مادة بعنوان «عربي» في الطبعة الأولى من «موسوعة الإسلام» والتي كررتها نبيه أبوت.

وتبقى النظرية النبطية هي المفضلة عند أغلب علماء اللغة، لا سيما المختصين باللغات الأنجلو سكسونية. وتكمن الصعوبة في النظريات المتعلقة بلغة النبط في تفسير الفجوة في التسلسل التاريخي بين ذروة الحضارة النبطية وبين نشأة اللغة العربية.

ولكن بالنسبة إلى كثيرين فإن الأمثلة الأولى على الحروف العربية كشيء مختلف عن اللغة هي نقوش عديدة موجودة في سوريا تعود إلى القرن السادس. وهي تضم نقشا بثلاث لغات، وهي العربية واليونانية القديمة والسريانية، وجميعها تعود إلى عام 512 في منطقة زبد جنوب شرقي حلب.

الفرضية الثانية الأكثر حداثة وضعها جي ستاشكي عام 1966. ومفادها أن أصول الخط العربي ترجع إلى الأبجدية السريانية، وفكرة كهذه كانت شائعة بين الفقهاء المسلمين في القرنين الثامن والتاسع. ويقول المؤرخ البلاذري، على سبيل المثال، حول أساس العديد من المصادر الأقدم عهداً أن الكتابة العربية ابتكرت في مكة، على يد ثلاثة أشخاص من قبيلة طي، الذين استخدموا الأبجدية السريانية، التي كانت تستخدم في بلاط اللخميين ملوك الحيرة قرب الكوفة في جنوب العراق.

وقبل العلماء الفرنسيون، مثل بريك شاتونيه وفرانسواز بريك شاتونيه، هذه الفرضية ذات الجذور السريانية برحابة صدر. واختاروا النظرية التي تتناول الأصول السيريانية للغة العربية على أسس تاريخية، قائلين إنه في القرون التي سبقت الإسلام كانت السريانية أرفع مرتبة من النبطية، وجادلوا بأن النبطية لم تعد رائجة بحلول القرن السادس، وأنها باتت تستخدم فقط من أجل الكتابة على الجدران.

السريانية، في المقابل، انتعشت في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام. والنصوص المكتوبة بها وجدت شمال الرقة في سوريا. ووثق علماء آخرون التقاليد الراسخة في مجال الكتابة السريانية في القرون التي سبقت ظهور الإسلام. ويشار إلى أن تاريخ أقدم مخطوط سرياني وصل إلينا يعود إلى عام 411 ميلادية، وقد كتب في الرها، ويظهر فيه الخط العربي في صورة محسنة.

وتستحق النظرية التي طرحتها الفرنسية فرانسواز بريك شاتونيه القائلة إن النصوص العربية ذات جذور سريالية أن تؤخذ في الاعتبار. ونقلت هذه النظرية النقاش حول النصوص إلى مستويات أكثر تعقيداً، لأنها تتناول السياق التاريخي، وليس المقارنة بين الحروف فقط. الفرضية النظرية النبطية ليست مقبولة من جانب واحد فقط. وأياً كان المصدر المباشر، فإن الخط الآرامي تم تبنيه لكتابة اللغة العربية.