بناء المجتمعات وتقدمها له جناحان، هما جناح الدولة، بمؤسساتها الرسمية ودوائرها الحكومية، والتي تدير رحى عملية التنمية والبناء بجهود كبيرة وأعباء ضخمة، أما الجناح الآخر، هو جناح القطاع الخاص، باعتباره المكمل أو المساعد في عملية البناء، وأياً ما كانت قدرات الدولة الاقتصادية وغنى مواردها.
فإن مساهمة القطاع الخاص في مسيرة الدولة وتقدمها له دلالات كثيرة، تفوق في تأثيرها البعد الاقتصادي، أولها، دور المسؤولية الاجتماعية لهذا القطاع، وهو واجب بلا شك يقع على عاتق العاملين به تجاه الوطن، الذي احتضنه ورعاه ونعم بخيره، كما أن أبناء الوطن هم الذين آزروه حتى حقق نجاحاته، وبدون مساندتهم له، لم يكن ليكون شيئاً مذكوراً، فالمجتمع هو الذي يعطي الشرعية الحقيقية لكافة الأنشطة الاقتصادية وغيرها، عبر موافقته عليها، أو غير ذلك حين يعترض على نشاطها.
كما أن مساهمة القطاع الخاص في مسيرة التنمية، هو تعبير جلي عن الانتماء للوطن، فالانتماء يعني العطاء، كما أن شكر النعمة يكون ببذلها للغير، وأن تمتد آثارها لغيري ممن هم حولي، حتى يسعد الآخرون بنجاحاتي، ويدفعوا في سبيل ذلك، كيف لا؟، وآثارها تمتد إليهم.
وهذا هو البعد الأخلاقي في الممارسات الاقتصادية، وهذا الذي يجعل من الجمهور سنداً لتلك المؤسسات، وينظر إلى أنشطتها بعين الاعتبار والتقدير، وعند حدوث خطأ ما خلال ممارستها لأعمالها، يتجاوزه الجمهور، بما لها عنده من سيرة مشرقة، حتى إن تلك الصورة الطيبة تجد صداها عند تعامل تلك المؤسسات الخاصة مع مختلف مؤسسات الدولة، تيسر لها أمورها، باعتبارها مواطناً صالحاً.
الحق أن تلك الأفكار ألحت على خاطري خلال حضوري حفل تخريج الدفع الأولى من برنامج «الإنجاز للتأهيل وسوق العمل»، الذي أطلقته كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي، استجابة إلى مبادرة «أبشر»، التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ومقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله «على الشباب أن يتزودوا بالعلم والمعرفة، لأنهما السلاح الوحيد والدائم والقوي في هذه الحياة»، شعاراً لها، وذلك بالتعاون مع كليات التقنية العليا.
هذا البرنامج يهدف إلى إعداد وتأهيل الكوادر الوطنية من المواطنات الحاصلات على شهادة الثانوية العامة، وذلك في إطار تعزيز قيم المسؤولية الوطنية والمجتمعية، والحرص على إتاحة الفرصة إلى المواطنات اللاتي لم يتسن لهن إتمام تحصيلهن العلمي.
وقد وفر برنامج «إنجاز»، من خلال فروعه، فرص التدريب والتأهيل على المهارات الأساسية اللازمة لسوق العمل في الدولة، لما يقرب من مئتي طالبة من إمارة أبوظبي ودبي والإمارات الشمالية، وما يقرب من خمسمئة طالبة في فرع الفجيرة والمنطقة الشرقية.
كما يضمن البرنامج، من خلال قسم مختص، توفير فرص عمل لجميع الخريجات من البرنامج، عبر إبرام العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية مع الدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة في الدولة، وقد استطاع منذ انطلاقه عام 2013، أن يوفر فرص عمل لما يقرب من 98 في المئة من الخريجات.
الجدير بالذكر، أنه عند استكمال متطلبات البرنامج، تمنح الطالبات المشاركات شهادة «إنجاز للتأهيل لسوق العمل»، كما تمنح الخريجات فرصة إكمال دراستهن الجامعية في كليات التقنية العليا، بعد توافر بعض الشروط.
في تقديري أن إنشاء برنامج «إنجاز للتأهيل لسوق العمل»، جاء نتيجة لوعي رئيس مجلس أمناء كلية الدراسات الإسلامية، السيد جمعة الماجد، بضرورة تعاون القطاع الخاص على النهوض والبناء، وأن يردوا الجميل لهذا الوطن المعطاء، من خلال مساعدة شريحة من بنات الإمارات، لم يتمكنّ من إتمام تحصيلهن العلمي بعد الثانوية العامة، وهن جزء من المجتمع، وبعض من ثروة الوطن البشرية، وأن استثمار هذه الثروة سيسهم في دفع عجلة التنمية والنهضة في كل المجالات.
إن الدور قد جاء على القطاع الخاص، الذي نعم بخير هذا الوطن المعطاء، أن يبذل في سبيله، عبر برامج تنموية تفيد أبناءه وتعبر عن وفائهم لهذا الوطن والأرض الطيبة، التي احتوتهم وحنت عليهم حتى اشتد العود.
ومن ينظر في تجارب الدول الكبرى، يجد شراكة القطاع الخاص ومبادراته حاضرة دوماً، والشاهد أن أكبر الجامعات الأميركية، التي تتصدر قائمة الجامعات الأفضل عالمياً «هارفارد»، هي جامعة خاصة، أقاموها فحافظوا على تقدمها.
إن الخطط التنموية تتم لترقية الإنسان وعن طريقه، كما أنه القادر على الحفاظ عليها، أي أنه طرف أصيل في إنجاحها، لذا، فقد حان الوقت أن يسهم المخلصون من أبناء الوطن، كل في مجاله، بالوقت والجهد والمال والبذل والفكر، أياً كان حجم الدور الذي يؤديه، وحجم المسؤولية التي يتحملها، وعبر تكاتف الجهود، نرسم أجمل صورة لأغلى وطن، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.
وكما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «خير الناس، أنفعهم للناس».