عندما يلقي المرء نظرة، على سبيل المثال، على الأدب المكتوب باللغة اللاتينية أو الإغريقية، وهما اللغتان اللتان قدمتا للعالم بعضاً من أعظم الأعمال الكلاسيكية التي لا تزال تقرأ، وتعد من أفضل النماذج التي يمكن للعالم الاستمتاع بها..

فإنه لا يمكن إلا أن يتساءل، كيف لا يزال العمل الكلاسيكي العظيم الذي نظمه هوميروس المسمى بالأوديسا، متاحاً لنا اليوم في عدد كبير من اللغات المعروفة على أوسع نطاق.

ومع ذلك، فإن هذا العمل الأدبي الكلاسيكي العظيم، نظمه رجل عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، ويعد رائعته بامتياز، وما كان ليوجد اليوم، ويعد بين الأعمال الأدبية العظيمة التي تركها العالم لنا، لولا جهود أفراد مجهولين بعينهم. ويتساءل المرء من هو الشخص الذي أصر على تخصيص الكثير من وقته لترجمتها، وجعلها متاحة في عالم أكبر من عالم اليونان القديمة؟

ألا ينبغي أن يطرح السؤال ذاته بشأن الكثير من الآداب الأخرى؟

ألا ينطبق ذلك، على سبيل المثال، على الأدب العربي عامة، الذي وجد مع ابتكار الكتابة العربية، وما يكتب اليوم في مجالي القصة القصيرة والرواية، وهما جنسان أدبيان استعيرا من الآداب الغربية، ويتجاهلهما في الغالب المسؤولون عن المؤسسات الثقافية في العالم العربي. ولكن ماذا يجب أن يحصل للعالم العربي حتى يعي الحقيقة القائلة إن بعض ما يكتب اليوم باللغة العربية، لا يستحق الحفاظ عليه فقط، وإنما يستحق أيضاً جعله متاحاً للقراء الذين لا يعرفون اللغة العربية.

وعلى سبيل المثال، فقد خلصت في عام 1967، إلى أن الوقت حان كي يقدم أحد مجلداً من القصص القصيرة المترجمة نقلاً عن اللغة العربية. وقبل هذا المجلد الذي يضم مثل هذه القصص القصيرة للنشر من قبل إحدى كبرى في إنجلترا، وهي مطبعة جامعة أكسفورد.

وعندما أستعيد الاختيار الذي قمت به، أجد أنه يشمل أسماء كتاب مثل يوسف إدريس وغسان كنفاني والطيب صالح ويحيى حقي وتوفيق الحكيم وجبرا إبراهيم جبرا ومحمد تيمور ونجيب محفوظ. وأرسلت نسخاً إلى جميع المجلات البارزة، إلا أن ما أدهشني وناشري تلك المجلات، هو أنه لم تقدم أي مؤسسة ثقافية أو مكتبة في العالم العربي بأسره، على مراجعة المجموعة، أو شراء نسخة واحدة منها فقط.

وقد دهش نجيب محفوظ كثيراً، عندما نال الجائزة الأدبية الأكثر تميزاً، التي يمكن أن يحظى بها أديب أو أديبة، وهي جائزة نوبل، على الرغم من أن كثيراً من الناس شعروا بأن هناك أدباء آخرين في العالم العربي أكثر جدارة بنيلها. وعلى الرغم من ذلك، فإن نيل نجيب محفوظ قوبل بالترحاب.

اخترت، كمشروع أخير لي مجلداً من القصص المصرية القصيرة. وأدركت، على سبيل المثال، أن كثيراً من الكتاب المصريين طبعوا قصصهم القصيرة في العديد من المطبوعات، وأنه ليس من الصعب الحصول على نسخ منها.

وأتذكر بوضوح أيضاً في وقت مبكر من مسيرتي المهنية، عندما لم تكن هناك مطبوعات تنشر ترجمات عربية للقصص القصيرة، وعلى الرغم من ذلك..

فقد كنت على اتصال مع كثير من الكتاب المصريين، الذين حرصوا على ترجمة أعمالهم إلى اللغة الإنجليزية، ووجدت بين أوراقي الكثير من النسخ لقصص ترجمتها وطبعت ترجمتها بيدي، والتي بثت لاحقاً في الإذاعة المصرية الرسمية. ووجدت أني لا أزال أملك نسخاً من مثل هذه القصص، كنت قد طبعتها بنفسي على الطابعة التقليدية التي كانت شائعة في تلك الأيام.

وفي أعلى الصفحة، إلى جانب عنوان القصة واسمي، باعتباري مترجمها، يظهر اسم الرجل الذي سيقرأ القصة عبر الأثير والتاريخ الذي ستبث فيه القصة.

وأعتقد أني وجدت ثلاث قصص مثل هذه، وأضفتها إلى المجموعة التي كنت أحضرها. وأقدم موعد لبث هذه القصص، كان في وقت ما من أربعينيات القرن الماضي. وبحسب ما أتذكر، كنت أترجم قصة في كل أسبوع، ولكن لا يبدو أني أمتلك أكثر من النسخ الثلاث التي أدرجتها في المجموعة. وقد تكون هناك قصص جيدة بالفعل كتبت في ذلك الوقت..

والتي فقدت بذلك إلى الأبد، على الرغم من أن نسخاً من بعض هذه القصص قد تكون موجودة في أوراق الكتاب الذين توفوا اليوم. وأتذكر صديقاً بعينه على وجه الخصوص، كنت أحب قصصه، ولكني لا يبدو أني أملك أياً من قصصه اليوم.

وفي المجموعة الأخيرة التي نشرتها، والتي جعلت عنوانها «العودة للوطن»، أتذكر على وجه الخصوص قصة لكاتب معين، لا يمكنني تذكر اسمه اليوم، وقد كانت قصة مثيرة عن حياة القرويين في مصر باللهجة العامية، وكتب مقالاً إضافياً يبرر استخدام العامية المصرية في قصص تضمنت شخصيات لا تعرف اللغة الفصحى، وهذا في وقت كانت العامية تثير الامتعاض، ولم يكن لها مكان في اللغة التي كان يكتب بها ما يسمى بالأدب. ولذلك، يبدو أن العامية استخدمت من قبل كتاب كثر، قبل الاهتمام الذي تحظى به اليوم.

ولذلك، على سبيل المثال، فإن من المهم أن نرى أن قصة نجيب محفوظ، بعنوان «زعبلاوي»، تظهر في كثير من مجلدات الروائع المستمدة من الأدب العالمي.